كتب أكرم حمدان في صحيفة “نداء الوطن”:
كان متوقعاً أن يتم تعديل المسار الحكومي. أنذرت الاجواء المحيطة بالتشكيل ان البلاد على ابواب أزمة لولا تسارع الاتصالات على اكثر من مستوى داخلياً وخارجياً استدراكاً للموقف. حتى الامس القريب تناهى الى مسامع “الثنائي الشيعي” ان هناك من يحتفل بقدرته على تطويعه سياسياً بسحب وزارة المالية واخراج العهد كما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من معادلة تشكيل الحكومة. وصلت الرسالة. المسار التصاعدي للضغوطات كان متوقعاً ووارداً لكن ما لم يكن متوقعاً ان يكون الحريري من جملة الساعين الى ممارسة هذه الضغوط. هل يسعى الحريري الى تغيير المعادلات الحكومية تمهيداً لعودته الى رئاسة الحكومة على أسس جديدة تتناسب وطروحاته بعد 17 تشرين؟ ام يريد التمايز عن الطبقة الحاكمة ليثبت اختلافه عنها؟ ام انه يقدم اوراق اعتماد للاميركي والسعودي لمرحلة جديدة من حياته السياسية؟ أسئلة كثيرة سببها التدهور في العلاقة بين الحريري والثنائي الشيعي بعد سنوات من علاقة كرستها اجتماعات لا تعد ولا تحصى اقله مع الخليلين.
لم تكن زيارة الرئيس سعد الحريري الى عين التينة على جري عادتها. لقاؤه ورئيس مجلس النواب نبيه بري لم يكن ايجابياً وكلام الدعم والمؤازرة لم يتردد صداه في ارجاء المكان. الظروف تغيرت كما الحريري ومن كان يصدق ان الحريري الابن المدلل لرئيس مجلس النواب انقلب عليه او لنقل انه انضم الى جملة الضغوط التي تمارس على بري لفك تحالفه مع “حزب الله” وتليين مواقفه في ترسيم الحدود كما في الحكومة. يريد تشكيل حكومة مطابقة لرغباته السياسية. حكومة تصفية حسابات مع العهد وباسيل وتقديم اوراق اعتماد للجهات الراغبة بتطويق “حزب الله” وحلفائه.
كلام عنيف سمعه الحريري من بري. لعلها من المرات النادرة التي يرتفع فيها صوت رئيس المجلس معاتباً. كان هدف الحريري من الزيارة نيل تفويض من بري وتحت عنوان الثقة لتولي تسمية الشيعة في الحكومة. رفض بري عرض الحريري وأصر على “إسم نختاره نحن والقصة قصة مبدأ”، مقترحاً على الحريري تزويده “بلائحة من عشرة اسماء واذا لم تعجبك ازودك بلائحة ثانية”.
لا يجد المراقبون تفسيراً شافياً او جواباً مقنعاً لتعاطي الحريري مع “الثنائي الشيعي” ورئيس مجلس النواب نبيه بري ضمناً الا التسليم بأن رئيس الحكومة السابق لم يبادل الوفاء بمثله. حتى الامس القريب كان بري يكرر أمام سائليه: “لا يوجد إلا مرشح واحد لرئاسة الحكومة هو سعد الحريري”. واتصالاته كانت تصب باتجاه تعبيد عودته لرئاسة الحكومة. وإذا به يصدر بيان سحب اسمه من التداول. اعتاد بري مفاجآت الحريري يوم كان يحاول و”حزب الله” ثنيه عن الاستقالة في تشرين الاول الماضي فعاجلهما ببيان استقالة علما بأمره من الاعلام، ويوم نال وعداً بتأمين نصاب الجلسة التشريعية ولم يلتزم ونواب كتلته.
لطالما اعتبر رئيس المجلس ان بيت الحريري كما وليد جنبلاط هما ركنا صداقاته الاساسيان. سيبة ثلاثية كان يحرص على تواجدها في الحكم. انقلبت القصة ولم يترك الحريري الابن موقفاً محرجاً لبري الا واتخذه. منذ الانتخابات الرئاسية العام 2016 الى قانون الانتخابات وفترة الانتخابات النيابية والتحالفات المتقلبة وصولاً الى محطة 17 تشرين. استقال الحريري وبذل بري كل جهد لاعادته الى رئاسة الحكومة، وحين رفض أصر بري على شخص يخرج اسمه من بيت الوسط متعهداً بعدم المعارضة. استقالت حكومة حسان دياب او دفعها بري الى الاستقالة كما يحلو للبعض القول. عرض على الحريري العودة فرفض، طلب منه التسمية فصال وجال واستنجد برؤساء الحكومات السابقين.
حاول الحريري التنصل من تسمية أي مرشح رئاسي وكاد صبر ميشال عون ينفد لولا طلب بري منحه فرصة اضافية خرج بعدها الحريري مقترحاً مصطفى اديب. الخيار الذي توافق الجميع على دعمه إكراماً لبيت الوسط.
برعاية الحريري والخليلين انطلقت المشاورات لتشكيل الحكومة. مشوار الخليلين لم يكتمل لوجود من حضر يهمس لرئيس الحكومة بإخراجهما من المعادلة. ليعلن بعدها عن لائحة عقوبات تطاول الخليل الاول اي المعاون السياسي للرئيس بري علي حسن خليل.
من الاجتماع الاول لاحظ الخليلان ان ثمة قطبة مخفية في تعاطي اديب المتحفظ والكتوم معهما. الرسالة وصلت وقد أخرجت الى العلن: حكومة يشكلها الحريري بمعية فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، هي حكومة تسليف الموقف للاميركيين بتمثيل شيعي خارج عن توافق الثنائي.
في رأي المراقبين على جبهة 8 آذار أن سعد الحريري يحاول الانتقام من مرحلة تشكيل حكومة حسان دياب وتحقيق ما عجز عن تحقيقه بعد “17 تشرين”. يرد الحريري الصاع للثنائي الشيعي الذي أدار حكومة لا تحظى بتمثيل سني وللتيار الوطني الحر ورئيسه الذي كانت له اليد الطولى بتشكيل حكومة دياب وممارسة السلوك نفسه بمحاولة اخراجه من المعادلة الحكومية برمتها. وقبل هذه وتلك يحقق الحريري امنيته بالتفرد في تشكيل الحكومة ومن دون اي دور لرئيس الجمهورية. طبقاً لمسار انطلاق المشاورات مجدداً يبدو ان الحريري اساء تقدير الامور ذلك ان كلمة السر اللبنانية التي لم يستوعبها الفرنسيون ان في لبنان معادلات لا يمكن المساس بها او تغييرها لا بحجة الازمة الاقتصادية ولا العقوبات.