كتب قاسم فياض في صحيفة “الأخبار”:
في ورقة بحثية تعود لعام ٢٠١٢، كتبها رئيس الحكومة المكلف مصطفى اديب تحت عنوان «رؤى لاصلاح قطاع الامن في لبنان»، وكان يومها مدير «مركز الدراسات الاستراتيجية في الشرق الأوسط» cesmo (مقره طرابلس) يتحدث اديب عن الاجهزة الامنية في لبنان ويعدّد مهامها حسبما تنص عليه القوانين والانظمة.
ورغم ان الورقة تفتقد للصياغة اللغوية الصحيحة (ربما كتبها باللغة الإنكليزية او الفرنسية وجرت ترجمتها إلى اللغة العربية)، وإلى نقص الربط بين الافكار، بالاضافة الى بعض المعلومات المغلوطة وغير الدقيقة، إلا أنها تعبّر بشكل عام عن رأي كاتبها الذي يبدأ ورقته المؤلفة من 8 صفحات، بالحديث عن الجيش ودوره في حفظ الامن، ويعتبر انه «اكتسب مكانة الرمز الوطني بفضل محاصرته لنهر البارد (يقصد مخيم نهر البارد شمال لبنان) إذ جسّد وحدة الطوائف». ويضيف أديب أن «الجيش عجز عن الدفاع عن المدنيين خلال احداث ايار ٢٠٠٨ خاصة السنّة منهم والمارونيين جزئيا وبالتالي فقد اهتزت ثقة اللبنانيين به».
وفي تعداده لبقية القوى الامنية التابعة لوزارة الداخلية يذكر جهازا أمنيا يسميه «قطاع معلومات الدرك الاقليمي» (الارجح انه يقصد فرع المعلومات، اما الدرك الاقليمي فدوره مختلف)، ويصفه بأنه «جهاز سنّي».
ويرى أديب ان «نقطة ضعف الامن اللبناني هي ان القوات العسكرية والامنية ليست مركّزة بيد الدولة»، وهذا الوضع يهدّد بشدة استعادة الدولة لصلاحياتها. ويعتبر ان هناك اربعة اصناف من القوات المسلحة تساهم في تكوين المشهد الامني اللبناني من دون ان تكون جزءا من الجهاز الامني وهي ذات ثقل اساسي على الساحة، وهي: قوات اليونيفيل، حزب الله، المخيمات الفلسطينية، وما يسميه بـ«الميليشيات وقوات الدفاع الذاتي». وعلى الرغم من ذكره لوجود اليونيفيل بتسميتها القديمة والحالية في لبنان منذ العام 1978، ويعتبر ان «هذه القوات كان ينبغي ان تتوقف مع تراجع اسرائيل في عام 2000». الا ان الكاتب لم يركز على الخطر القادم من جهة الجنوب وفي تهديده الامني والعسكري اليومي للبنان بل انه يعتبر الاندحار المذل عن لبنان للعدو «تراجعا». أما عندما يتطرق إلى دور حزب الله في المشهد الامني، فيقول: «حزب الله هو بحق دولة داخل الدولة يعتبر رأس حربة الاستراتيجية الايرانية في الشرق الاوسط، فهو يمثل لها وسيلة تواصل مع القضية الاهم في العالم العربي الاسلامي، الا وهي القصية الفلسطينية. وبالرغم من ان القرار ١٧٠١ قد ابعد حزب الله من الحد الجنوبي، الا انه لا زال منتشرا سرا ولكنه في نفس الوقت قد نقل الحرب الى الساحة السياسية التي يمثل فيها مصالح الطائفة الشيعية وهي من الاكثر عددا في البلد. انه لا زال يضم ٢٥ الف رجل واسلحة كثيرة منها حوالي ٣٠ الف صاروخ. يمثل حزب الله قوة عسكرية وسياسية في آن، ولديه شبكة مدارس ومستشفيات وشركات تأمين وحتى اتصالات تجعله مستقلا (…) حزب الله كان قد هُمش بعد استقالة الوزراء الشيعة في تشرين الثاني ٢٠٠٦ بل واكثر بعد احداث ايار 2008، فأعادت له اتفاقات (اتفاق) الدوحة شرعيته السياسية كقوة مشاركة في الحكم وشرعيته العسكرية بوصفه قوة مقاومة. منذ حزيران ٢٠١١ صار يسيطر على الحكومة التي يرأسها نجيب ميقاتي. وبما انه يستحيل نزع السلاح من حزب الله نظرا لعدم توازن القوى لصالحه لما له من وزن عسكري وسياسي، فإن تواجده في لبنان هو سبب من الاسباب التي تمنع حاليا اجراء اصلاح قطاع الامن».
إذاً، برأي اديب الحزب هو دولة داخل الدولة، واحد الاسباب التي تعيق اصلاح الامن، لكنه أغفل سبب وجود السلاح بيد الحزب في ظل الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان. ويقول تحت عنوان «ضعف الدولة» ان هناك اسبابا كثيرة منها بند بعنوان فرعي هو «وجود قوات غير نظامية قوية جدا»، وفيه: «لا يخفى ان العائق الاقوى امام القيام بإصلاح قطاع الامن هو وجود قوات عسكرية غير نظامية – او غير منظمة قانونا – على الاراضي اللبنانية ومنها قوتان يمكن ان تواجه قوى الدولة وتنتصر».
أديب: منذ حزيران ٢٠١١ صار حزب الله يسيطر على الحكومة التي يرأسها نجيب ميقاتي
وفي ختام ورقته يقول أديب: «وفي ما يتعلق بإصلاح قطاع الامن في حد ذاته؛ فلا يمكن ان يتم دون عملية نزع سلاح وتسريح وإعادة ادماج العناصر. ولكن يصعب تخيل ان يقوم حزب الله او حتى الحركات الفلسطينية بذلك. فبالفعل، هي من ناحية حركات مسلحة بشكل زائد، وهي من ناحية اخرى يساندها من الداخل جزء كبير من الفاعلين السياسيين و/او المدنيين، وتساندها من الخارج قوى على مستوى المنطقة توفر لها المعدات وتمولها بسهولة نظرا لأن الحدود غير مانعة».
صحيح ان مشاكل لبنان الامنية عديدة وكثيرة، وهو يعاني يوميا من استنزاف القوى الامنية الرسمية المختلفة في ميادين مختلفة، وهذه القوات بحاجة الى دعم واسناد كبيرين، على كافة صعد التدريب والتجهيز والتسليح، اضافة الى استقطاب العنصر البشري الكفؤ والمؤهل لمواجهة كافة الاخطار، وفي ظل تحويل الجيش كقوة فاعلة لإدارة الامن الداخلي واستنزاف وحداته في تأمين الامن وإشغاله عن المهمة المكرسة له في حماية حدود البلد من المخاطر الخارجية، وفي ظل عدم تزويده بالسلاح المطلوب لمواجهة الخطر الاسرائيلي، ووضع فيتوات على عروض تسليحه من مصادر مختلفة بعيدا عن الولايات المتحدة، ومع إغفال اديب في ورقته للخطر المحدق بالوطن والمتمثل بالكيان الاسرائيلي، لا يمكن تصنيف المقاومة كقوة غير منظمة قانونيا، فهي تستمد شرعيتها من ميثاق الامم المتحدة الذي يحفظ للشعوب حق الدفاع عن اوطانها، وكذلك من البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة. فهل بدل الرئيس المكلف رأيه وغير وجهة نظره هذه عما كانت عليه عام 2012؟