في حال لم تحمل الساعات القليلة المقبلة تطورا ما، من الصنف النوعي القادر على قلب المعادلات، فإن المبادرة الفرنسية يمكن اعتبارها دخلت رسميا مرحلة موت سريري من غير المعروف بعد، ما اذا كانت ستنجو منه او سيقضي عليها نهائيا.
الضغوط القوية التي مارسها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على الساحة المحلية منذ لحظة انفجار المرفأ ومعه العاصمة بيروت، كانت أتت ثمارها حيث نجح الرجل، في زيارة ثانية قام بها للعاصمة اللبنانية في اقل من شهر، في انتزاع موافقة ثمينة من القوى السياسية كلها، على مختلف مشاربها وتلاوينها، على تسهيل عملية تأليف حكومة “مهمة” انقاذية مختلفة عن كل سابقاتها قلبا و قالبا. وقد مهّد لانجازه هذا آنذاك بسلسلة اتصالات اجراها مع اللاعبين الدوليين وابرزهم واشنطن ومع اولئك الاقليميين المؤثرين بقوة في المعادلات اللبنانية وعلى رأسهم ايران، وقد قيل حينها انه لمس منها اجواء ايجابية. فارتاح الاليزيه كما استبشر اللبنانيون خيرا بعد ان ثبّتت مشاورات قصر الصنوبر هذه المعطيات، سيما خلال اللقاء الذي جمع ماكرون برئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد.
انطلقت عجلة تنفيذ المبادرة سريعا. بسلاسة كلف مصطفى أديب التأليف وجرت الاستشارات النيابية غير الملزمة ، ثم انكب الرئيس المكلف على وضع تشكيلته، وعينه على انهاء المهمة في مهلة الخمسة عشر يوما الفرنسية، متسلحا بالاجماع السياسي حوله وباتفاق قصر الصنوبر الذي نال رضى الجميع… وفجأة في ربع الساعة الاخير الفاصل عن خط النهاية، توقف كل شيء. فما الذي جرى؟
الثنائي الشيعي، وفق ما تقول مصادر متابعة للمركزية، كان شارك في المحادثات في السفارة الفرنسية ولم يبد آنذاك اي تحفظ حيال الشروط الجديدة للتأليف التي تم اقتراحها. قد لا يكون ماكرون سماها بالاسم، الا ان القاصي والداني فهم انه طرح انتفاضة على كل اساليب التشكيل التقليدية النمطية. فلماذا سكت حينها ممثلو حزب الله وأمل ووافقا؟ لماذا لم يرفعا الصوت او يتحفظا مؤكدين تمسكهم بالمالية لاسباب ميثاقية وبتسمية وزرائهما في الحكومة؟
الجواب موجود على الارجح في التطورات التي استجدت اقليميا ودوليا. ففي رأي المصادر، فرض عقوبات اميركية على اليد اليمنى لرئيس مجلس النواب نبيه بري وتوسيعها لتشمل للمرة الاولى شخصيات سياسية من الصف الاول من حلفاء حزب الله كالوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، نزلا كالصاعقة على الضاحية وعين التينة، فرأت ان هذا التصعيد الدولي لا يمكن الا ان يقابل بتصعيد ولا يمكن ان يكون الرد عليه بتقديم هدايا سياسية مجانية للغرب. اما طهران، عرابة المحور الممانع، فبدورها لم تر في العقوبات الا اعلانا متجددا للحرب عليها، يضاف الى تطورات متسارعة في العالم العربي ابرزها اتفاقات السلام بين دول خليجية وتل ابيب لن تساهم الا في مفاقمة عزلتها وحصر نفوذها الاقليمي.
وفي هذه اللحظة، اعتبرت ايران ان الاستغناء عن ورقة لبنان بالبلاش لن يكون ضربا من ضروب الذكاء. فعدّلت في ليونتها، وعادت الى مربع التشدد.
قد تكون السياسات الاميركية لعبت دورا في قتل المبادرة الفرنسية، الا ان ولاءات اطراف محلية للخارج وقبولهم تحويل بلدهم صندوق بريد وربطهم اياه بمحاور إقليمية هي حتما القاتل الاول للمبادرة وللبنان الدولة وسيادته واقتصاده وشعبه، تختم المصادر.