كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
إذا كانت فرنسا أسفت “لعدم تمكن الزعماء السياسيين اللبنانيين من الالتزام بتعهداتهم للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بتشكيل الحكومة خلال 15 يوماً”، فإن مبادرتهم تلك لم تعد مفهومة. صارت خاضعة للتأويل والتكهنات في ضوء ما يعتري تشكيل الحكومة من مطبات قد تطيح بالرئيس المكلف. المعضلة ان سلوك الفرنسيين لا يتطابق ومواقفهم. أقله في ما يتعلق بعلاقتهم مع “حزب الله”. إعلان الثنائي الشيعي عدم مشاركته في الحكومة إستنفر الفرنسيين ودفعهم الى تطمينه بدليل إيجابية اللقاء الذي جمع النائب محمد رعد مع الرئيس ايمانويل ماكرون.
تعدد الرسائل التي تلقاها “حزب الله” من الفرنسيين لم تساعد في حل لغز الالتباس الحاصل في موقفه من سلوك الرئيس المكلف مصطفى أديب ومن يقف وراءه حيال تشكيل الحكومة. خلال الساعات الماضية حرص الفرنسيون على نقل رسالة مفادها “نحن لا نستهدفكم ولا يوجد لدينا مشروع ضدكم وكلامنا الطيب مع النائب محمد رعد خير دليل”.
في مكان ما يكتنف الغموض الجهود الفرنسية بالنسبة لـ”حزب الله”، فهل يتصرف والحريري كفريق واحد؟ وما هي حقيقة موقفه من رفض الحريري منح الثنائي الشيعي حقيبة المالية؟ ومن فوض الحريري ادارة تشكيل الحكومة؟ مثل هذه الاسئلة وغيرها وصلت الى مسامع الفرنسيين مباشرة وبالواسطة لكن الاجوبة عليها لم تقنع “حزب الله” والثنائي الشيعي. ربما ركن الفرنسيون الى رغبة الثنائي بتكليف الحريري مجدداً تشكيل الحكومة وحين اعتذر اصروا على تبني من يختاره. عاش الحريري الحالة وأراد لعب الدور الى نهايته. لم يدرس خطواته وابعادها وأن رهاناته ستخيب. وكأن الحريري لم يقتنع بعد ان “حزب الله” أقوى من هذه الألاعيب ولا تنطلي عليه، وفق تعبير مصادر مطلعة على موقف “الحزب”، التي لفتت إلى أنّ “حزب الله” يعتبر أنّ أسباباً عديدة أوصلت المبادرة الفرنسية الى مأزق:
1 – الفريق الذي استغل هذه المبادرة ومعها العقوبات الاميركية لتحقيق إنقلاب سياسي في البلد يخرج من خلاله “حزب الله” من الحكومة محققاً بذلك الهدف الاميركي –الاسرائيلي، ويكون للشيعة تمثيل هزيل في الحكومة ولا يمثلهم تحت عنوان الاختصاصيين.
2 – العقوبات الاميركية.
3 – محاولة استغلال الظروف المالية والاقتصادية للقول إن من تسبب بهذه السياسات هو الثنائي الشيعي، ولو ان هذه القوى السياسية لا تتحمل وزر كامل الأزمة بل لها حصتها منها.
“حزب الله” إرتاب من إصرار الفريق المشكل للحكومة على سحب حقيبة المالية من الثنائي وتشكيل الحكومة بمفرده، وعلى تسمية الوزراء الشيعة ومن الاختصاصيين.
وتضاعف قلقه يوم زار الحريري رئيس مجلس النواب نبيه بري يبلغه ان وزارة المال لن تكون من حصة الشيعة، وحين رفض بري قال له الحريري سيتحدث اليك ماكرون!
يصر “حزب الله”، وفق المصادر المطلعة على اجوائه، على ان ما حصل يقارب الانقلاب على موازين القوى السياسية في البلد، ومحاولة عزل مكون سياسي واخراجه من السلطة السياسية حالياً. اي تحقيق غايات سياسية في ظل موازين مختلفة. وحين استشعر الخطر تحدث الى رئيس الجمهورية ميشال عون شارحاً رؤيته للأمور فأبلغه النائب محمد رعد صراحة: “اذا اردتم المداورة فلنضعها في سياق مشروع لا يقتصر على المالية فقط. ولماذا الاصرار على طرحها اليوم ومن باب تحميل الازمة لفريق سياسي واحد”. وتابع رعد قائلاً: “لتكن المداورة في الرئاسات والوزارات ووظائف الفئة الاولى ومجلس القضاء الاعلى، وليتم وضعها ضمن أطر دستورية ونظام دستوري أما دون ذلك فإن هذا الفريق ومن خلال طريقته في ادارة الحكومة فيلعب بمصير البلد ويأخذه للمجهول”.
إستشعر الجميع ان المبادرة الفرنسية صارت في مأزق، فلا عون ملزم بالتوقيع على تشكيلة الفريق الواحد ولا يمكن لحكومة ان تكون من دون المكون الشيعي. هنا بدأت تنهال الرسائل الفرنسية وإقتراح الفريق المشكل مقايضة المالية بحقيبتي الدفاع والخارجية. عروض كانت مدعاة للريبة من قبل “حزب الله”، عن سر اصرارهم على هذه الحقيبة كي تستبدل بحقيبتين او أكثر؟
وسط هذا المستوى من التأزم يغيب احتمال تشكيل حكومة، ما يضع مصير الرئيس المكلف على محك الاعتذار الذي لوحت به مصادره. فماذا لو فعلها واعتذر؟ لا تبدو خطوة كهذه كارثية بالنسبة الى “حزب الله”، والاعتذار هنا مشكوك به، ذلك ان اديب واجهة لمشروع وليس مشروعاً بذاته. اعتذاره يعني فرملة الاندفاعة الفرنسية وهم لا يريدون إسقاطها لرغبتهم بتحقيق أهدافهم من خلالها، أي إخراج المقاومة والشيعة من العملية السياسية. ويعني الاعتذار العودة مجدداً الى ذات الآليات الدستورية اي الاتفاق على اسم رئيس واستشارات التكليف. وبناء عليه فإعتذاره مستبعد ولكن رغم ذلك فإن تطورات التأليف مرهونة بثلاثة امور هي: قرار اديب استكمال التأليف بأسلوب مختلف أو الإعتذار، موقف الفرنسيين وتعاطي عون مع اي تشكيلة تعرض عليه، فهل يوقعها ام يحجب توقيعه وقد اتضح انهم يتعاطون معه كصندوقة بريد.
لرئيس الجمهورية ان يمارس صلاحياته بالتوقيع من عدمه ولكن تشكيل حكومة من قبل الفريق عينه متفرداً، تعني أن يصدر هذا الفريق قراراته ويفرضها على رئيس الجمهورية ضمن مهلة الخمسة عشر يوماً. مجريات كهذه ان حصلت تعيد “حزب الله” بالذاكرة الى تجربة الرئيس فؤاد السنيورة التي مارسها مع الرئيس إميل لحود. ساعة تقدم الوزراء الشيعة بإستقالاتهم لم تهتز حكومته واعتبر خروجهم لا يحجب الميثاقية عن الحكومة. هناك من يسعى الى تكرار السيناريو نفسه اليوم بتسمية ثلاثة وزراء من قبلهم، استقالاتهم اذا حصلت لن تقدم ولا تؤخر. مهما راهنوا على عقوبات وسعوا الى الضغط فرهاناتهم خاسرة لأن الثنائي الشيعي ماض بالتمسك بوزارة المال وتسمية الوزراء الشيعة والا فلا حكومة.
تؤكد الاوساط أن كل شيء مجمد حالياً، والامور عالقة على اكمال اديب مهمته او الاعتذار، وفي حال قدم تشكيلته الحكومية فهل يوقعها عون ام يعرض عن التوقيع؟ اما مساعي توضيح الفرنسيين لموقفهم فلم تؤت اكلها بعد. لكن الفرنسيين قالوها بالامس ولم يقفلوا الباب امام مبادرتهم “لم يفت الأوان بعد”.