كتب أنطون الفتى في “أخبار اليوم“:
جهات كثيرة تستفيد عملياً من تمسُّك “الثنائي الشيعي” بحقيبة المالية، لإرسال رسائل حول أن فرض عقوبات على الصفّ الثاني من هذا الفريق السياسي أو ذاك، أدّى الى تعثُّر مبادرة دولة عظمى هي فرنسا، فكيف سيكون الحال إذا فُرِضَت عقوبات على بعض من هم في الصفّ الأول مباشرة؟
قد لا تهتمّ أفرقاء السلطة، من خلال كلّ ما يجري حالياً، سوى بالقول إنه يتوجّب إلغاء سياسة العقوبات الأميركية، وربما الأوروبية أو الفرنسية، على المسؤولين اللّبنانيّين، وإلا سيجد المجتمع الدولي عقوبات بانتظاره في الداخل اللّبناني، تقوم على أساس إفشال كلّ شيء يأتي من الخارج، حتى ولو كان جيّداً.
ولكن المسؤولين اللّبنانيّين يهدّدون ويناورون، متناسين أنهم يفعلون ذلك من الرصيد اللّبناني، لأن لبنان سيكون أول وآخر من يدفع الأثمان الباهظة، من جراء تلك السياسات.
وحده؟
اعتبر مصدر سياسي أن “جزءاً من التعثّر الحكومي الحاصل هو ردّ على العقوبات الأميركية على الوزيرَيْن السابقَيْن علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، ولكن جزءاً آخر منه يعود الى صراع داخلي حول الصلاحيات في البلد”.
ولفت في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” الى أن “السؤال الأول الذي لا بدّ من طرحه، هو هل ان “الثنائي الشيعي” وحده يتمسّك بحقائب، ويعرقل المبادرة الفرنسية؟ ففرنسا والمجتمع الدولي والشعب اللّبناني، لم يعرفوا حتى الساعة، حقيقة مواقف باقي الأطراف السياسية في البلد، وذلك بعيداً ممّا يُحكى في العَلَن. فمثلاً، ما هو موقف “التيار الوطني الحر” الحقيقي ممّا يحصل، ومن تشكيل الحكومة الجديدة؟ والأمر نفسه يُمكن تطبيقه على تيار “المستقبل”، والحزب “التقدمي الإشتراكي”، وحتى على باقي أحزاب المعارضة، خصوصا أن مروحة العقوبات الأميركية قد تطال شخصيات مُعارِضَة اليوم، بعدما انغمست في سنوات سابقة بأنشطة، أمّنت الكثير من المساعدات والتمويل لـ “حزب الله”.
ورأى أن “الجميع يشكّلون الحكومة الجديدة على وقع التطورات الحاصلة في المنطقة. وهم يضعون نصب أعينهم بالأكثر، الإنتخابات الرئاسية الأميركية، ويعتبرون أن ما بعدها لن يكون كما قبلها، محاولين أن يكسبوا وقتاً على هذا المستوى”.
النتائج
وشدّد المصدر على أن “الخوف من نتائج إفشال المبادرة الفرنسية رسمياً، وتشكيل حكومة تقليدية، يتركّز حول التبعات الإقتصادية لذلك. فإذا ضُرِب الإقتصاد لهذا السبب، نسأل عن النتائج الإجتماعية في تلك الحالة. وإذا ضُرِب الشعب اللّبناني إجتماعياً، نسأل عن التبِعات الديموغرافية لذلك أيضاً. كما نسأل عن مستقبل الإدارات والمؤسّسات إذا أُخرِج لبنان من المنظومة الفرنسية – الدولية الحالية، وهو ما يضعنا أمام احتمالات سيئة جدّاً”.
وقال:”تلطّي مختلف الأطراف الداخلية بالعقوبات الأميركية كحجّة للتفشيل، يشكّل أمراً مفيداً لهم بنسبة 100 في المئة، وفق طريقة “عليَّ وعلى أعدائي”، طالما أن العقوبات ستطال معظم الأفرقاء، بنسبة أو بأخرى”.
فقدوها!
وأكد المصدر أن “الكلّ يُدرك تماماً أن الأموال الموجودة في المصارف لا تنتظر تحريرها فقط، بل ان حجزها لمدة طويلة، قد تتجاوز السنوات، سيجعل من قيمتها تتآكل، وذلك حتى ولو كانت بالدولار”.
وأضاف:”هل ان عاقلاً يعتقد أن قيمة ألف دولار حالياً ستظلّ على حالها بعد خمس سنوات مثلاً؟ بالطبع لا. فالعالم يتغيّر، وسيتغيّر أكثر في المراحل القادمة، واقتصادات الدول تتغيّر وتتبدّل وتُخلَط أوراقها، والهيكلة الإقتصادية والمالية للبنان ستتغيّر، وهو ما سيجعل ألف دولار تعادل 400 دولار أو ربما أقلّ مستقبلاً، وهو ما يعني أن المودعين اللّبنانيين فقدوا نسبة كبيرة من أموالهم الموجودة في المصارف، من حيث القيمة، وفي شكل محتَّم. وهذا ليس غريباً، لأن الشعب هو الذي سيتحمّل الخسائر الأكبر، عاجلاً أم آجلاً”.
أدبيات فاسدة
وأشار المصدر الى أن “المجتمع الدولي يُدرِك أن السلطة اللّبنانية فاسدة بنيوياً، منذ أن أقرضها في مؤتمرات “باريس” 1 و2 و3، وصولاً الى مؤتمر “سيدر”. ورغم ذلك، نجده يعدها بتحرير بعض أموال الدول المانحة، منذ ما قبل أن يضمن أنها ستغيّر سلوكياتها وأدبياتها الفاسدة جذرياً وبالملموس، فيما يتوجّب التشدُّد في هذا الإطار. ولذلك، ندعو الى عدم الإتّكال على الخارج، والى تركيز الجهود على تشكيل حالة وطنية، ذات مشروع إقتصادي وسياسي محدّد”.
وختم:”أسئلة كثيرة تحوم حول طريقة تعاطي اللّبنانيين مع الأزمة، وهو ما “يشيّب شعر الرأس”. فرغم كلّ ما يحصل، لا يزالون صامتين، وهذا هو اللّغز الكبير”.