كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:
في جريمة مروعة، أقدم المواطن (ع.س) على إحراق طفلة في الرابعة عشرة من عمرها داخل شقة مهجورة في منطقة برج البراجنة. وعلى إثر الحادثة أعلنت قيادة الجيش عن توقيف مخابراتها المواطن (ع.س) في منطقة بئر العبد في الخامس عشر من الجاري. وفيما تستمر المخابرات بالبحث عن متورطين اثنين آخرين بالجريمة، مرّ البيان الذي أصدره الجيش أمس الأول عن الجريمة، والذي لم يعكس هولها، مرور الكرام. لكنّ التفاصيل التي اطلعت عليها “نداء الوطن” من والد الضحية وأقربائها، بيّنت هول الجريمة. وناشد والد الضحية، عاطف الحسيني، عبر “نداء الوطن” الرأي العام مساعدته في الضغط على الجهات المعنية، كي لا يفلت مرتكبو الجريمة من العقاب. فالجريمة قد تمت عن سابق تصور وتصميم، “وقد اعترف الموقوف برمي غالون بنزين على ابنتي واحراقها”، يقول الوالد المفجوع.
ووفق الوالد فإنّ ابنته غادرت المنزل قبل أيام من الجريمة. ويفيد قريبها بأنهم أبلغوا القوى الأمنية بالأمر وانتظروا عودتها. لكنّ الصدمة كانت بتلقي الوالد اتصالاً، أمس الأوّل، يدعوه للتعرف على جثة ابنته المتفحمة. ونظراً للضرر الكبير الذي لحق بالجثة نتيجة الحريق الذي أشعله القاتل بجسدها مباشرة، لم يتمكن الوالد من التعرف على جثة ابنته. فانتظر وعائلته نتيجة فحص الحمض النووي ليتأكد من أن ابنته ضحية جريمة شنيعة. وجراء التلف اللاحق بالجثة نتيجة حرقها، لم يتمكن الطبيب الشرعي من تحديد ما إن كانت الفتاة قد تعرضت لاعتداء قبل قتلها. وربما هو السبب الذي دفع بالمجرم لحرق الطفلة، إذ من المرجح أن تكون قد تعرضت لاعتداء جنسي قبل حرقها ظناً أنه بذلك ينجو بفعلته. وعلى الرغم من فاجعته الكبيرة يتأمل الوالد بأن تكشف التحقيقات أن تكون ابنته قد قتلت قبل حرقها، لعلها بذلك عانت من ألم أقل من ألم الحرق قبل موتها.
وتظهر الصور الملتقطة في مكان الجريمة الجثة المتفحمة في زاوية إحدى الغرف الفارغة من العفش بالقرب من نافذة، يمكن الفرار منها. ويرجح الوالد أن تكون الطفلة مكبلة اليدين لحظة إحراقها. ونظراً لسوء حال الجثة لم يتمكن ذووها من غسلها وفق الشريعة الإسلامية، فلجأوا للتيمم وسارعوا لدفنها قبل الموعد المحدد لذلك.
وفي وقت يتساهل فيه القضاء في إصدار الأحكام المرتبطة بهذا النوع من الجرائم، حيث تعيق التدخلات سير العدالة، وتخفف من عقوبة القتلة، يتخوف الوالد من أن تحول الواسطة والتدخلات الحزبية دون القبض على المتهمين الآخرين في الجريمة، ومحاسبة جميع المتورطين. “فما حصل مع ابنتي جريمة يشهد لها التاريخ، ولا عدالة في هذا البلد، إن لم يضغط الرأي العام في هذه القضية فإن المعنيين سيتنصلون من واجباتهم تجاهها”، يقول الوالد المفجوع.
هي مخاوف في مكانها، إذ لا تكترث الدولة المنهارة بتحقيق شيء من العدالة لطفلة أحرقت ربما وهي على قيد الحياة. إذ تفيد معلومات العائلة بأنه يجري البحث عن أسباب تخفيفية لإنقاذ القاتل من العقاب بذريعة أنه لم يكن بكامل وعيه وأنه كان تحت تأثير المخدرات. وهي مسرحية غالباً ما يلجأ المدافعون عن القتلة إليها للتخفيف من العقاب. كما تلعب عادة الضغوط السياسية في الضاحية دوراً لمحاولة حثّ الأهل على التراجع عن حقهم والتنازل عن الدعاوى، وهو ما حصل سابقاً في قضايا عدة.
وإضافة إلى هول الجريمة، بدا بيان الجيش الذي تحدث عنها معيباً بحق المؤسسة، إذ تحدث عن تسبب الطفلة بخلاف بين راشدين، قبل حتى معرفة ما تعرضت له، وإن كان المجرم قد أراد من قتلها إخفاء آثار جريمة أخرى ارتكبها قبل القتل. في حين أن الطفلة ضحية جريمة شنيعة ارتكبها راشدون، ومن المرجح أنها كانت عرضة لجرائم سبقت قتلها. وكان يجدر بالقوى الأمنية تكثيف البحث عنها وانقاذها بدلاً من تركها تموت بأبشع الطرق.