كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إتخذ القرار الحاسم والحازم بعدم ترك لبنان ساحة للصراعات الإقليمية والدولية ودفعه إلى المجهول حتى لو فشل مسعى تأليف حكومة جديدة.
يعمل الفرنسي في الملف اللبناني من منطلق مبدئي، فالإليزيه لا يتعامل مع الأزمة اللبنانية وكأنها عابرة، إذا نجحنا نفرح وإذا فشلنا نوضّب أغراضنا ونرحل، وبالتالي فإن إصرار ماكرون لا يتعلّق بتأليف الحكومة فقط بل بالمتابعة الحثيثة للوضعية التي تحصل.
ومن منظار الإليزيه، فإن علاقات لبنان وفرنسا ليست مرحلية، وهي لا تتعامل مع البلد من مدخل الطبقة السياسية، بل تتصرّف وكأن هذه الطبقة لا تريد الخير للبلد، وما يهم باريس هو الشعب وثقافتها المنتشرة على المتوسط، ما يفسّر إرسال وزير الخارجية جان إيف لودريان إلى بيروت قبل انفجار المرفأ في 4 آب لتقديم الدعم إلى المدارس التي تعلّم اللغة الفرنسية.
وفي السياق، يتّكل ماكرون في خطواته على دعم أميركي واضح ضمن خطة معينة، وبالتالي فإن خطواته منسقة مع الأميركيين وهذه نقطة قوة له، في حين أن هناك نقاطاً سجّلها في الفترة الأخيرة من وراء الملف اللبناني ولا يريد خسارتها وأبرزها:
أولاً: ربح ماكرون محبة الشعب اللبناني وظهر ذلك جلياً باحتضانه في شارع الجميزة خلال زيارته الأولى بعد الإنفجار، كما أن الشعب نظر إليه كأنه المخلص من هذه الطبقة السياسية الفاسدة، وقد حصد مكانة في قلوب اللبنانيين لم يحصدها الرؤساء الذين سبقوه مثل فرنسوا هولاند ونيكولا ساركوزي ولا حتى جاك شيراك.
ثانياً: نجح ماكرون إلى حد كبير في كشف السياسيين اللبنانيين واستطاع الحديث مع الجميع، في دلالة إلى قبول باريس من جميع الأطراف.
ثالثاً: إنعكست صورة ماكرون في بيروت على صورته داخل الرأي العام الفرنسي الذي تعاطف مع لبنان بشكل كبير، ونجاحه يعني نجاحاً داخل فرنسا، في حين أن فشله لا ينعكس كما صوّره البعض داخل باريس، لأن الفرنسيين يعرفون مدى عقم الطبقة السياسية اللبنانية.
رابعاً: نجح ماكرون في خطف تفويض أوروبي ودولي لحراكه في لبنان، وبات يتحرّك باسم “القارة العجوز” بعدما رأى القادة الاوروبيون خروجهم من لبنان خسارة فادحة لهم على شواطئ المتوسط.
والأهم من كل هذا أن ماكرون ثبّت نفوذ فرنسا في بيروت، والأمر يحتاج إلى متابعة عملية على الأرض، وهو يقف سداً منيعاً بوجه التمدّد التركي ويواجهه ويتعاطى مع رعاة السنة في لبنان وعلى رأسهم مصر والسعودية على هذا الأساس، في وقت ينسق الرئيس سعد الحريري مع ماكرون لإتمام الموضوع.
وما ينطبق على تركيا ينطبق على إيران أيضاً، إذ إن الفرنسي الذي يتعامل مع المكوّن الشيعي بموضوعية وعقلانية، لا يحبّذ أيضاً أن يقع لبنان تحت القبضة الإيرانية ويخرج من ثقافته وحضارته وجذوره، لذلك فإن الفرنسي لن يقف بوجه العقوبات الأميركية إذا استمرت طهران في عرقلة مسيرة الإنقاذ في لبنان.
وأمام كل هذه المعطيات، فإن فشل تأليف الحكومة سينعكس سلباً على العلاقات الفرنسية – الإيرانية، لكن هذا الأمر سيزيد باريس تمسكاً بخلاص لبنان من نفوذ طهران لأنه عندها سيقول الرئيس الفرنسي “لقد حاولت وأشهد أنني بلّغت”، وبالتالي فإن المحاولات الفرنسية ستتكرر وعندما يدخل الاميركي مباشرة على الخط سيحفظ دور الفرنسي الذي أسّس ما أسّسه في لبنان خصوصاً في السياسة والثقافة والمرفأ والتنقيب عن الغاز.
إذاً، ينتظر لبنان فترة حامية جداً، لكن ما يدفع إلى الإطمئنان أكثر أن الفرنسي لن يترك البلاد وسيكرر محاولاته لكن هذه المرة من دون دبلوماسية لأنه أعطى السياسيين الفرصة الأخيرة وخذله البعض.