كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:
بشق النفس تستمر المبادرة الفرنسية. بات ثابتاً وجود مسعى أميركي لتطويقها والقضاء عليها. وبات راسخاً أيضاً للثنائي الشيعي أن فريقاً متماهياً مع الموقف الاميركي يسعى إلى تطويقه، مضحياً بعلاقة تاريخية جمعت عين التينة بقريطم ومن بعدها “بيت الوسط”، في محاولة لتسليف الاميركيين تحت وطأة الخشية من العقوبات الاميركية.
في بعض وقائع الخميس، كما ترويها مصادر الثنائي الشيعي أن وعداً قطعه الفرنسيون للثنائي بأن تكون حقيبة المالية من حصتهم مع شرط التشاور في الاسماء، إنقلب عليه نادي رؤساء الحكومات السابقين لينتصر فيه الجناح الاميركي. جزمت مصادر الثنائي: “لم يعد هناك اي أمل لمصطفى اديب بتشكيل الحكومة. حتى ولو لم يعتذر فقد اصبح بحكم المعتذر نتيجة شل قراره لوجود شرخ داخل نادي رؤساء الحكومات”. لا يزال أديب يساير الرغبة الفرنسية بعدم الاعتذار لكن أمله ضعيف وجس النبض السياسي يؤشر الى ان نبض المبادرة الفرنسية بطيء. مصير ماكرون ومبادرته على المحك. وتكاد تكون التصريحات الاميركية والعقوبات موازية للرغبة الفرنسية. اي أن كفة المبادرة يوازيها التفشيل الاميركي، مع فارق ان الاميركي يبدو اكثر شراسة. بومبيو في مواجهة ماكرون.
بعد اللقاء الذي جمع مسؤول العلاقات الخارجية في “حزب الله” عمار الموسوي مع السفير الفرنسي ايميه فوشييه، أشيعت أجواء ايجابية عن موافقة باريس على إسناد حقيبة المالية الى الشيعة شرط تسمية مجموعة اسماء يتم الاختيار من بينها، وكان متوقعاً ان تفضي مثل هذه الاجواء الى تسريع عملية تشكيل الحكومة قبل ان يتبين ان “مشكّلي الحكومة انقلبوا حتى على المبادرة الفرنسية، والسير بخيارات يرغب بها الاميركي”، وفق الانطباع الذي ترسخ لدى الثنائي الشيعي بالامس بعدما تبين لهم ان رؤساء الحكومات السابقين، أصروا على تجاوز القبول الفرنسي بموضوع حقيبة المالية والتصرف وفق اجندات مختلفة. إجتماعات ماراتونية شهدتها العاصمة الفرنسية إستمرت حتى ساعات متأخرة من الليل مواكبة لتشكيل الحكومة في لبنان. أثمرت عن تأخير زيارة الرئيس المكلف مصطفى أديب الى رئيس الجمهورية لتقديم بيان اعتذاره، والمباشرة بمرحلة جديدة من المشاورات مع القوى السياسية. وعلى هذا الاساس استقبل الرئيس المكلف الخليلين في لقاء هو الثاني منذ تكليفه إتسم هو الآخر بالسلبية وقد خرج منه أديب متوجهاً الى بعبدا من دون مسودة للحكومة بل مجرد زيارة خاطفة اعلن خلالها عن استمرار المشاورات.
وخلال اللقاء معه تفاجأ الخليلان بأن أديب لا يزال على موقفه الرافض منح الشيعة حقيبة المالية وتمسكه بمبدأ المداورة في الوزارات وبحكومة اختصاصيين يشكلها وفق الاسماء التي يراها مناسبة قائلاً لضيفيه: “غير هيك ما بدي ألّف حكومة وقدروا موقفي مثلما أقدر لكم موقفكم”، وتابع: “لست ضدكم وما بدي اعمل مشاكل. ابلغوني منذ البداية أن هذه هي المهمة وهذه هي الحكومة وانا جئت كي أنفذ. لن اشكل حكومة مواجهة ولا حكومة تخالف قناعاتي”.
وفيما كان الثنائي يقول إنه تبلّغ من الفرنسيين أمس الموافقة على التمثل بحقيبة المالية وقد وافق على تقديم لائحة اسماء يتم الاختيار من بينها او يختار الرئيس المكلف اسماء مقترحة ويعرضها على الثنائي، كان رئيس الحكومة سعد الحريري وخلال اجتماع ضمه ورؤساء الحكومات السابقين مع الرئيس المكلف اتفق معهم على عدم الرضوخ لمطالب الثنائي الشيعي وانتهى اجتماعهم على اساس البحث في تخريج آلية اعتذار للرئيس المكلف.
تدخّل الفرنسيين عبر برنار ايمييه أرجأ اعتذار أديب ونصحوه بالانفتاح على الثنائي الشيعي وعلى رئيس الجمهورية. يسعى الفرنسيون جهدهم لترميم مبادرتهم. وبعدما ساد الاعتقاد بوجود تنسيق او تفويض أميركي للفرنسيين في لبنان إتضح ان الاميركيين لا يفوضون عادة واذا ما كان ثمة تنسيق فهذا التنسيق قد يشهد تباينات في محطات معينة. وهذا ما يظهر جلياً. فما كادت تنجح الجولة الاولى من مفاوضات التشكيل حتى شهر الاميركي لائحة عقوباته في مواجهتها، وبينما أعلن الفرنسي عن حلحلة تقود الى اعلان الحكومة جاءت اللائحة الثانية من العقوبات مصحوبة هذه المرة بالإعلان عن اتصال فرنسي – سعودي يتعلق بالوضع في لبنان.
من خلال حديث أديب فهم الثنائي ان القصة لها علاقة بكباش أميركي – فرنسي وتشنج الوضع السعودي والذهاب بعيداً في المواجهة مع “حزب الله”. ما يعني ان لا مشكلة بين الثنائي والفرنسي وانما خلاف اميركي – فرنسي قد يحمل اديب على الاعتذار في حال استمرار هذا الموقف على تشدده. وهناك من يجزم ان الفرنسيين لم يكونوا مسبقاً في وارد الحديث عن توزيع الحقائب لولا الموقف المتعنت لرؤساء الحكومات، ولو رضخ الثنائي لكانت الامور ذهبت باتجاه تحقيق المطلب الاميركي غير ان الواضح والجلي ان حرباً دولية اقليمية بتنا نشهدها تحت عنوان تشكيل الحكومة. “حزب الله” دخل على خط المواجهة مباشرة برفض كتلته “بشكل قاطع أن يسمي أحد عنها الوزراء الذين سيمثلونها في الحكومة”، والفرنسي متخوف من انهيار مبادرته ونتائجها الوخيمة على مستوى حضوره في المنطقة وعلى مستوى لبنان المنهار عملياً. يعتبر الفرنسي ان استقالة اديب قبل التشكيل معناها اعلان فشل مسبق للمبادرة وان السبب خارجي. هي معركة كسر عضم يلعبها الاميركي والفرنسي، طبيعي ألا يكون لرئيس الحكومة المكلف قدرة على الاستمرار في ظلها وقد ألمح لذلك بقوله “لست رجل المرحلة”، لولا ضغط الفرنسيين عليه للاستمرار. كله يستمهل الوقت المستقطع املاً في تغييرات في مواقف الاطراف ولكن اذا بقي التعنت يعني ان الازمة طويلة الامد وأن لا حكومة في المدى المنظور. تجزم مصادر معنية بالتشكيل “صار هناك استحالة التعاون مع أديب الذي لا يملك قراره. الجو ينذر بالاسوأ”، فهل يكون اعتذار أديب مسألة ساعات؟