كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
دخلت مسألة تأليف الحكومة ثلاجة الإنتظار، في وقت يراقب الجميع كيف ستتحرّك باريس وما إذا كانت ستنهي مبادرتها أو ستُفعّلها في الأيام المقبلة.
من المرات القليلة التي يحصل إجماع بأن مطالب “حزب الله” وحركة “امل” ليست منطقية ولا تستند إلى مسوّغ قانوني، إذ إن التشبث بوزارة المال خلق ردود فعل من بقية القوى كلها سواء معارضة أو موالية، لأن المطلب الشيعي يستند إلى قوّة السلاح غير الشرعي وليس إلى المنطق والدستور.
وفي السياق، فإن رفع سقف مطالب “الثنائي الشيعي” جعل “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحرّ” وتيار “المستقبل” وقوى أخرى تقف في الخندق نفسه، إذ إن “التيار” ربما يكون من أكثر المتحمّسين لمبدأ المداورة وأخذ حقيبة المال من يد “أمل”.
وبات معلوماً في السياسة اللبنانية أن لا “كيمياء” بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، وقد زاد من حدّة الخلاف بين الرجلين رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل، وكانت معركة جزين النيابية العام 2009 أكبر دليل على الصدام الحقيقي بين حليفَي “حزب الله”، أي “التيار” و”أمل”.
وبالنسبة إلى الموضوع الحكومي، فإن بري يسند ظهره في المطالبة بحقيبة “المال” إلى دعم “حزب الله” كتعويض على العقوبات على وزير المال السابق علي حسن خليل، واستطراداً ربما يريد “الحزب” ومن ورائه إيران أخذ مكاسب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو ان طهران لا تريد أن تقدّم تنازلات للفرنسيين بل تريد المفاوضات مع واشنطن مباشرة، لذلك غمزت الى “حزب الله” بالعرقلة وتولّى برّي هذه المهمة.
وفي السياق، فإن عون غير راغب في تطيير المبادرة الفرنسية لأنه يعتبرها الفرصة الأكبر للإنقاذ، ومعها قد ينقذ عهده، في حين أن فشلها يعني تدهور الوضع الإقتصادي أكثر وأكثر وضرب ما تبقى من صورة العهد التي اهتزت بعنف بعد انفجار 4 آب.
ويُحمّل بعض القيادات العونية نبيه برّي مسألة إفشال المبادرة الفرنسية، وذلك لإغراق العهد ومحاولة توجيه ضربة قوية له، بينما الأساس بالنسبة لـ”التيار العوني” هو التجاوب مع مبادرة ماكرون لأنها تشكل خشبة خلاص للوضع اللبناني، ونقطة عمل من أجل الإنطلاق بالإصلاحات الضروية، وبالتالي يعتبر العوني أن الإصلاح يضرّ رئيس المجلس النيابي الذي بنى سلطته وأمجاده مستغلاً النظام القائم.
والوقائع تؤكد أن عون تريث في عدم السير بالتشكيلة التي كان ينوي الرئيس المكلف مصطفى أديب تقديمها له، ليس تجاوباً مع إعتراض برّي، بل إفساحاً في المجال أمام المزيد من المشاورات ولكي تنجح المبادرة، لأن دعم “حزب الله” لمطالب حركة “أمل” سيجعل طائفة لبنانية أساسية ضدّ المبادرة خصوصاً أن تجربة حكومة اللون الواحد لم تكن ناجحة يوماً، وثبت ذلك من خلال حكومة الرئيس المستقيل حسان دياب.
من هنا، لا يعني عدم سير عون حالياً بالتشكيلة الحكومية أنه قد لا يقدم على توقيعها في وقت لاحق إذا ما استنزفت الحلول، وبالتالي يرمي الكرة في ملعب مجلس النواب ويضع الجميع امام مسؤولياتهم، وعندها فليتحمل المعرقل نتيجة أفعاله.
ويستند عون في تأييده مبدأ المداورة، إلى دعم مسيحي قوي من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي يرفض إحتكار أي طائفة أو حزب لأي حقيبة كان، وإلى الموقف المبدئي لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي اعتبر بالأمس أن بقاء وزارة “المال” مع الثنائي الشيعي يعني ان لا إصلاحات، كذلك فإن بقية الطوائف الإسلامية الأخرى وعلى رأسها السنّة مع مبدأ المداورة. إذاً، ساعات فاصلة ويُحدد معها مصير حكومة أديب والمبادرة الفرنسية، وبالتالي هل يتنازل بري و”حزب الله” لصالح الوطن أو يبقيان على موقفيهما، وعندها يظهر من المعرقل الحقيقي؟