IMLebanon

“الثنائي”: التوقيع الثالث أو نستأنف “العدّ”

“لا مال في بيت المال ورحمة الله على لبنان الكبير”… ربطٌ جنبلاطي أصاب كبد الحقيقة بين ما نشهده من صراع على حقيبة المال وبين سيناريوات زوال الكيان تحت وطأة احتدام الصراع الداخلي وما يحيط به من منعطفات مفصلية في صراعات الإقليم. فلبنان يقف اليوم على فالق زلزالي بدأت تشققاته تتمظهر بين “أهل الميثاق القديم وأهل العرف الجديد” وتتهدد بابتلاع الخارطة وإعادة رسم معالمها طائفياً ومذهبياً وفدرالياً بين “شعوب” أنهكها التعايش المصطنع واستنزفتها الحروب الحامية والباردة باسم الدين والمحور. لم يعد سراً خافياً على أحد أنّ مختلف الشرائح اللبنانية باتت تعتبر أجندة “الثنائي الشيعي” عبئاً ثقيلاً على كاهل البلد، وما كان يقال في السر بدأت أصداؤه تتردد في العلن، خصوصاً بعدما وصل اللبنانيون إلى حضيض الحضيض اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وصحياً ومصرفياً فجاءتهم “طاقة فرج” فرنسية لكن سرعان ما أعاد “الثنائي” إيصادها وختم الآمال التي عُقدت عليها بالشمع الأحمر تحت طائل التشبث بحقيبة المالية، فكانت تلك أشبه بالشعرة التي قصمت ظهر المبادرة الفرنسية واستنفرت الحساسيات الطائفية والمذهبية بين مكونات البلد، على اعتبار أنّ أداء “الثنائي” في مقاربة المبادرة الإنقاذية الفرنسية استفز الشركاء المسيحيين في الوطن وتعامل معهم بوصفهم أسرى تحقيق شرط “المثالثة” في التواقيع وإلا… “نستأنف العدّ”!

هكذا قرأت مصادر سياسية تلويح المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان باعتماد “المداورة في كل المناصب والمواقع في إطار دولة مدنية”، وكذلك هذا ما استشفته المصادر من أجواء عين التينة التي نقلت عنها المؤسسة اللبنانية للإرسال تحذيراً صريحاً في مقابل رفض منح الثنائي الشيعي حقيبة المالية: “تفضلوا إذاً إلى الدولة المدنية”. وإذا كان لبنان هو راهناً “دولة مدنية” كما ذكّر مراراً وتكراراً البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، غير أنّ المصادر تلفت إلى أنّ عنوان الدولة المدنية بمفهوم “الثنائي” إنما يقوم على أساس التلويح بتغيير النظام اللبناني القائم ليصبح نظاماً عددياً يُكرّس مثالثة دستورية تطيح بالمناصفة”، منبهةً إلى أنّ “المرحلة الراهنة في لبنان بالغة الدقة والحساسية وتجاوزت في أبعادها مسألة تشكيل الحكومة لتتكشف تباعاً محاولات ونوايا مبيتة تهدف إلى تخيير اللبنانيين بين تكريس الأعراف بقوة الأمر الواقع أو دفع البلد نحو نظام تأسيسي يعيد خلط الأوراق ويخلق واقعاً دستورياً جديداً في هيكلية الدولة”.

وليس بعيداً عن هواجس الخطر الناجم عن التلاعب بالميزان الديمغرافي في البلد، يقف رئيس الجمهورية ميشال عون على ضفة الداعمين للمداورة في كل الحقائب رفضاً “للمثالثة” التي يختزنها مطلب الثنائي الشيعي بالاستئثار بحقيبة المالية كما عبّر صراحة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، وهو ما خلق تشققات على أرضية العلاقة بين الرئاستين الأولى والثانية ربطاً بتباين المواقف بينهما إزاء مسألة المداورة. وفي هذا السياق، أكدت أوساط مقربة من قصر بعبدا لـ”نداء الوطن” أنّ “رئيس الجمهورية مصمم على موقفه المبدئي برفض تطييف أي من الحقائب الوزارية بما في ذلك حقيبة المالية”، مشددةً على أنّ عون يعتبر نفسه “معنياً بإنجاح المبادرة الفرنسية وبتذليل العقبات التي تعترض طريقها، وعلى هذا الأساس يتولى إجراء مشاورات مكوكية مع مختلف الأفرقاء لإيجاد حلول توافقية سريعة وإلا فإنه لن يبقى طويلاً متفرجاً على استنزاف الوقت وتضييع الفرصة الفرنسية لإنقاذ الوضع اللبناني المتأزم، وسيعمد في حال استمرار المراوحة إلى اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب”.