كان الرئيس المكلف مصطفى أديب قاب قوسين أو أدنى من الاعتذار عن تأليف حكومة المهمة التي راهن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على وعد الساسة اللبنانيين لتبصر النور في مهلة لا تتجاوز 15 يوما اعتبارا من 1 أيلول 2020. فالرجل المدعوم فرنسيا فهم الرسالة جيدا: المطلوب لانقاذ لبنان حكومة مصغرة من مستقبين اختصاصيين وغير منتمين حزبيا ولا علاقة للقوى السياسية بهم.
وعلى وقع الضغط الفرنسي الكثيف في سبيل انجاح هذا المسعى بعدما أقر الرئيس ماكرون بأنه يغامر (وربما يقامر!) برصيده السياسي في لبنان، سار الجميع وفق الخطة الفرنسية، إلى أن دخلت العقوبات الأميركية على الخط، معطوفة على الانتقادات التي وجهها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الرئيس الفرنسي، والتي حرص على نشرها في مقال في صحيفة لوفيعارو.
هذا التحليل يفضي إلى ما أسمته مصادر سياسية عبر “المركزية” النتيجة الطبيعية للتصعيد الدولي في وجه حزب الله، فكان أن عاد الثنائي الشيعي إلى تصليب موقفه من باب وزارة المال وإطاحة المداورة وخوض المواجهة مع الرئيس المكلف وداعميه، على رأسهم رؤساء الحكومات السابقون.
وفي السياق، لفتت المصادر إلى أن تدخل السفير الفرنسي برونو فوشيه كما مدير المخابرات الخارجية برنار ايمييه لم يفض إلى فك العقدة المتعلقة بوزارة المال.
وهذا، على حد قول المصادر يعتبر دليلا قاطعا إلى أن حزب الله يريد الافادة من الانفتاح الفرنسي عليه ليرسم حدود المرحلة السياسية المقبلة وهامش الحركة للأفرقاء السياسيين، مع الحرص على عدم إطاحة المبادرة الفرنسية بالكامل. لذلك، تتابع المصادر سارعت كتلة الوفاء للمقاومة الى رفع السقف في مواجهة الرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة رفضا لما تعتبره الضاحية إطاحة مكتسبات كانت تود تكريسها، في مقابل نهج الرئيس المكلف القائم اولا على مبدأ المداورة، لقطع الطريق على محاولات البعض تحويل الدولة ومؤسساتها محميات مذهبية تحوطها الخطوط الحمر ذات الطابع الطائفي.
على أن الحرب على المداورة لا تستهدف الرئيس المكلف وداعميه حصرا بل تطال بشظاياها الحليف الأول للحزب، رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. ذلك أن في إطلالته الأخيرة الأحد الفائت، ظهر باسيل في موقع قارئ الرسالة السياسية الآتية من الضاحية جيدا، إلى حد استنكار المثالثة وإعلان الحرب عليها، ما يعني دق مسمار جديد في نعش العلاقة مع الحزب، وهي المترنحة أصلا على حبال اختلاف المقاربات في ملف مكافحة الفساد، ما ترك ندوبا مهمة بين الجانبين.
أما في ما يخص الرئيس عون، فإن المصادر لفتت إلى أن الحزب يجره إلى موقع سياسي حرج لا يحسد عليه. فهو يريد الحفاظ على علاقة جيدة مع الضاحية بوصفها الداعم الأول له في مقابل الخصومة مع الرئيس الحريري وتاليا الشارع السني، ولا يريد الدخول في كباش مفتوح مع باسيل، ولا يريد أيضا أن يأخذ موقفا حكوميا إلى جانب الحزب، لأن ذلك قد يؤدي إلى تحميله مسؤولية فشل المبادرة الفرنسية، وهي خطوة ناقصة قد تحمل ضربة قوية للعهد الذي انفجر الغضب الشعبي في وجهه مرارا وتكرارا. فأي مصلحة للحزب في الرقص على كل هذه الصفائح الساخنة في زمن العقوبات والخسائر الاقليمية؟