في وقت تصبّ المبادرة الفرنسية في إطار تحقيق الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة من لبنان، وتعتبر حكومة المهمة Gouvernement de mission بمثابة “العربة” التي تقود الى الاصلاحات، يصرّ فريق لبناني على اخذ مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون التي اعلنها خلال زيارتَيه المتتاليتين للبنان في اقل من شهر في غير اتّجاهها وإستغلال توقيتها، حيث التأزّم سيّد موقف معظم القوى السياسية من اجل تحقيق أحلام قديمة-جديدة بمنح نفسه إمتيازات تتعارض وأحكام الدستور والميثاق مستفيداً من وهج السلاح الذي يملكه الى جانب دعم راعيه الاقليمي.
فالمبادرة التي حملت عناوين اقتصادية حصراً بدءاً من اصلاح قطاع الطاقة مروراً بضبط المعابر لوقف التهريب وتشديد المراقبة على المرافق العامة لمكافحة التهرّب الجمركي، وهي نقاط باتت الف باء المواقف الدولية تجاه لبنان، قابلها الثنائي الشيعي بخطاب سياسي غلّفه بشعارات الميثاقية من خلال إصراره على الاحتفاظ بوزارة المال ليس ليقود مسيرة الاصلاح التي تمرّ عبر “المالية” وإنما لتكريس اعراف غير موجودة في الدستور بتثبيت التوقيع الشيعي على المراسيم الحكومية الى جانب التوقيعين الماروني لرئيس الجمهورية والسنّي لرئيس الحكومة.
وفي الاطار، اكدت اوساط دبلوماسية لـ”المركزية” “ان الورقة الفرنسية هي ورقة اقتصادية وليست سياسية كما يعتقد بعض القوى، لاسيما الثنائي الشيعي الذي يرى فيها محاولة لتهميشه واستهدافه، لانه كما يبدو يخشى من تداعيات المرحلة المقبلة وما تحمله من عقوبات سيتعرض اليها، لذلك يحاول الحصول على ضمانات سياسية مستقبلية تقيه تداعيات الاستهداف الاخذ بالتصعيد في المنطقة بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية”.
وقالت “كما تمكن حزب الله من انتزاع غطاء محلي وخارجي لسلاحه تحت عنوان سلاح المقاومة، وان كانت رقعة هذا الغطاء باتت تضيق بعد اعتباره منظمة ارهابية من قبل اكثر من دولة عربية واوروبية، يسعى الان مع حركة امل للحصول على غطاء محلي واعتراف دولي بان حقيبة المال ميثاقية ومكرّسة بحسب محاضر اتّفاق الطائف للطائفة الشيعية، وذلك من اجل تعزيز شراكته في الدولة والسلطة التنفيذية واستباقاً لاي تعديلات دستورية قد تطال النظام السياسي للبنان مع بدء المئوية الثانية لاعلان دولة لبنان الكبير”.
واتت المبادرة الفرنسية في توقيت حسّاس محلياً، حيث ترتفع اصوات تنادي بحياد لبنان واعتماد اللامركزية الادارية كحلّ للازمات التي ارهقت اللبنانيين.
واعتبرت الاوساط الدبلوماسية “ان مبادرة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بإعلان حياد لبنان الناشط بالاضافة الى مواقف رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي ايّد مبادرة الراعي رافضاً المثالثة جعلت الثنائي الشيعي يتمسّك اكثر بوزارة المال مستغلاً المبادرة الفرنسية لتسويقها على انها حق شيعي لا يمكن التنازل عنه، والا اعتماد مبدأ المداورة في معظم المراكز الاساسية في الدولة، وهوما لم يتردد باعلانه امس المفتي الجعفري الشيخ احمد قبلان”.
على اي حال، وبإنتظار نتائج الاتصالات والمشاورات المكثّفة بين باريس وبيروت من اجل حل العقد امام المبادرة الفرنسية، لفتت الاوساط الى ان المبادرة الفرنسية هي “الخرطوشة الاخيرة” لمنع لبنان من الزوال، والا فانه سيتحقق قول وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان “لبنان الى زوال”.