للمرة الأولى منذ اتفاق الدوحة يبدو أن كل التهويل الذي يمارسه الثنائي الشيعي في لبنان لن ينجح، ولن يستطيع هذا الثنائي فرض ما يريده على صعيد تشكيل الحكومة الجديدة.
لن ينال هذا الثنائي حقيبة المالية ولا الثلث المعطل، ولن تكون حكومة مصطفى أديب في ما لو تشكلت نسخة منقحة عن حكومة حسان دياب، لا بل ثمة من يؤكد أنه لن تتشكل حكومات بعد اليوم على قاعدة التوازنات التي أرساها اتفاق الدوحة، أي على قاعدة المثالثة الضمنية عبر منح حق الفيتو للثنائي الشيعي، وذلك ليس من باب التحدي على الإطلاق بل من باب الحفاظ على الميثاقية الحقيقية التي تنصّ على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وليس على قاعدة المثالثة ومنح حق الفيتوات لتعطيل الدولة والمؤسسات وشلّها.
ثمة أكثر من معطى يعزز الانطباعات أعلاه، بدءًا من موقف رؤساء الحكومات السابقين الحازم على هذا المستوى ما يؤمّن الثبات للرئيس المكلف مصطفى أديب، مروراً بالموقف المسيحي الجامع من رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر” إلى “القوات اللبنانية”، وليس انتهاء بالتوازنات الجديدة في المنطقة والتي لن تسمح لـ”حزب الله” بتحقيق أي مكاسب داخلية في لبنان في ظل الخسائر المتلاحقة لإيران في المنطقة، وخصوصاً بعد إعادة فرض العقوبات الأممية عليها بالتوازي مع العقوبات الأميركية والحصار الأميركي- العربي عليها وعلى ميليشياتها، وليس انتهاء بالإيقاع الجديد للتطبيع العربي- الإسرائيلي والذي يبدو أن النظام السوري لن يكون بعيداً عنه أيضاً.
في هذا الإطار يبدو أن الثنائي الشيعي أخطأ قراءة المعطيات الإقليمية وكيفية التعاطي مع المبادرة الفرنسية، فظنّ أنه يستطيع أن يناور ويخدع الفرنسيين وتسخير مبادرتهم لتحقيق مكاسب استراتيجية وتنفيذ انقلاب دستوري على “الطائف”. أخطأ “حزب الله” في قراءة موازين القوى الإقليمية والداخلية، على خلفية رهان إيران على تمرير الوقت في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، وجرّ معه الرئيس نبيه بري إلى المحظور وإلى مغامرة في غير موضعها.
أفشل الثنائي الشيعي المبادرة الفرنسية، وسيدفعان ثمن ما ارتكباه في المرحلة المقبلة، ولن يكون باستطاعة “حزب الله” فرض معادلات على الأرض عبر الاستقواء بسلاحه والقيام بعراضات مسلحة لأن ذلك سيكون مكلفاً جداً عليه وهو يدرك ذلك. ومرحلة “الكباش” الداخلي في لبنان لن تطول كثيراً بعد محطة 3 تشرين الثاني المقبل بحيث ستتكرّس معادلات إقليمية مكلفة جداً لإيران لن تستطيع بعدها سوى تقديم التنازلات بدءًا من لبنان بعد خسارتها لمجمل أوراقها الإقليمية، وبهذا المعنى سيكون “حزب الله” الخاسر الأكبر!
ما بعد التصويت في مجلس الأمن على إعادة العقوبات الأممية على إيران لن يكون كما قبله لأنه رسم مرحلة جديدة تكرّس فيها عزل إيران دولياً ما سيتسبب بمزيد من العقوبات والإنهاك للنظام الإيراني في مرحلة يبدو أنها ستستمر حتى استسلام إيران في منطقة تشهد ولادة عصر جديد لا يتماشى ومنطق “تصدير الثورة” وإطلاق التهديدات المضحكة للحرس الثوري الإيراني العاجز عن الرد على كل الضربات التي تلقها من اغتيال قاسم سليماني مرورا بالضربات المستمرة لقواته في قلب سوريا وليس انتهاء بالضربات في قلب إيران.
إلى متى تُبقي إيران الحكومة اللبنانية الجديدة في “الحجر”؟ لا جواب واضحاً وإن كان المرجح أن تبقيها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكن الثابت أن واشنطن باتت غير مستعدة لتقديم أي أثمان لطهران، وأن سقوط المبادرة الفرنسية أقفل آخر قنوات التواصل مع إيران التي لم يعد أمامها سوى تقديم التنازلات مجاناً والخضوع للإرادة الدولية بدءًا بلبنان.