كتبت مريم سيف الدين في “نداء الوطن”:
في 4 آب وقعت الكارثة. هزّ انفجار ضخم بيروت وضواحيها، قتل المئات، جرح الآلاف، وشرّد مئات الآلاف. وكأنه لم يكف المواطنين الكارثة الأولى فتمثّلت الكارثة الثانية بتركهم ينتشلون بعضهم بعضاً ويعالجون بعضهم بأنفسهم ويزيلون الركام بأيديهم، ويحصون خسائرهم. وبذلك بدا حضور الجهات المعنية بالإغاثة من جيش وهيئة عليا للإغاثة ووحدة إدارة مخاطر الكوارث وغيرها، حضوراً هزيلاً لا يتناسب مع آلام المواطنين.
في وقت يستمرّ فيه التساؤل عن دور “وحدة إدارة مخاطر الكوارث”، التي أُنشئت منذ العام 2010 وصُرفت عليها الأموال، يؤكد عدد من العاملين على المشروع وفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لـ”نداء الوطن”، أن الوحدة أقصيت ومُنعت من القيام بمهامها بسبب تضارب الصلاحيات والمصالح. واتّهم هؤلاء وزيرة الدفاع، زينة عكر، بكفّ يد الوحدة عن أعمال الإغاثة، حاصرة المهام بالجيش اللبناني ولم تكن النتيجة كما هو مطلوب.
عكر لا تجيب
وبعيداً عن المسؤولية عن التفجير، والتي تتحمل عكر جزءاً منها كوزيرة للدفاع وكنائب لرئيس مجلس الوزراء، أقلّه من الناحية المعنوية، لعلمها بوجود نيترات الأمونيوم في المرفأ وبخطورته، وعدم اتخاذها، كما غيرها أي إجراء جدّي، حاولت “نداء الوطن” نقل أسئلة المواطنين إلى الوزيرة حول أعمال الإغاثة وأداء الجيش وإعاقة عمل الوحدة. لكنّ عكر رفضت الإجابة على الأسئلة بعد الاطّلاع عليها، متجاهلة أسئلة الضحايا والناجين وكأنها فوق مساءلة المواطنين، أو أقله غير معنية بالإجابة على تساؤلاتهم. كما فضلت الوزيرة “الملكة” اختيار الصحافيين الذين ستجري معهم مقابلاتها، علها بذلك تضمن الأسئلة غير المحرجة لا أسئلة المواطنين.
وزيرة الدفاع أرادت احتكار أعمال الإغاثة
في البحث عن وحدة إدارة مخاطر الكوارث، نجدها موقعاً إلكترونياً على الإنترنت. موقعاً ظل لأسابيع بعد الانفجار يتجاهل الكارثة. وتأخرت الوحدة حتى ما بعد الانتقادات، لتبدأ نشر تقارير حول “استجابة الحكومة اللبنانية لكارثة انفجار بيروت” عبر موقعها. فنشرت معلومات وتقارير تقول فيها إنه جرى تفعيل غرفة العمليات يوم التفجير وجرى تفعيل آلية التعاون مع الاتحاد الأوروبي لطلب المساعدات بعدها. وفي 6 آب جرى تفعيل غرفة العمليات المتقدمة للجيش، وصولاً إلى إطلاق المنصة الوطنية لمتابعة المساعدات الدولية في 28 آب. لكن التفات الوحدة المتأخر إلى الكارثة لم يكن عفوياً، بل يبدو أنه حصل بضغط من الأمم المتحدة التي دفعت الدولة باتجاه بعض الخطوات التي تضمن شيئاً من الشفافية، في الوقت الذي وضع فيه المسؤولون اللبنانيون، ومن بينهم عكر، مصالحهم الضيقة وحسابات الأجهزة فوق مصلحة المواطن المنكوب والتفتوا إليها قبل إغاثته.
حاولت “نداء الوطن” الحصول على أجوبة من رئيس الوحدة زاهي شاهين على الأسئلة المطروحة حول أداء الهيئة، وبعد طول انتظار لم يجب شاهين عن الأسئلة كما كان قد وعد. وكأن المواطن ممنوع عليه طرح تساؤلاته لأي جهة كانت.
الأمم المتحدة تضغط والأجهزة تخشى الشفافية
على الرغم من عدم الحصول على الإجابة الرسمية التي تأتي عادة منمقة في محاولة لتجميل الواقع والتغطية على الإهمال، تمكنت “نداء الوطن” من الحصول على المعلومات من مصدر يعمل مع الأمم المتحدة ولا يزال يتابع مسألة الوحدة ودورها وسبب اقصائها وغيرها من التفاصيل المرتبطة بأداء الجيش في أعمال الإغاثة ودور وزيرة الدفاع المعرقِل. ووفق المصدر، بدأت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في لبنان ومنسقة الشؤون الإنسانية، نجاة رشدي، العمل على تفعيل استجابة الوحدة في حال الطوارئ بعد وصولها إلى لبنان، قبل مدة قصيرة من الانفجار، كي تكون الوحدة التي تعمل بالشراكة ما بين الحكومة اللبنانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) على المستوى الذي تعتمده الأمم المتحدة. “بعد الكارثة اتصلت رشدي بالوحدة، فأبلغت بأن المسألة ليست لدى وحدة إدارة مخاطر الكورارث، وإنّما لدى الجيش. ففي الـ48 ساعة الأولى، بعد الانفجار، باشرت الوحدة بالعمل، من ثم طلب منها الجلوس جانباً وكفّت يدها بسبب تضارب المصالح حيث اختار الجيش من يريد العمل معهم”، وفق المصدر.
هكذا وببساطة قررت حكومة دياب ووزيرة الدفاع تنحية الوحدة بدل الاستفادة من خدماتها ومن التدريب الذي تلقته لتكون فعالة عند وقوع كارثة. وبصفتها الجامعة لمنصب نائب رئيس مجلس الوزراء الذي تتبع له الوحدة ومنصب وزيرة الدفاع، وتتبع لها المؤسسة العسكرية، تواصلت رشدي مع عكر فقرّرت الأخيرة تحييد الـUNDP وحصر مسألة إدارة تبعات الكارثة بالجيش، وفق ما يؤكده مطلعون على الموضوع. ويبرر موظفون في البرنامج قرارات عكر بمصالحها الشخصية ومحاولة إحلال شركتها ومستشاريها مكانهم. وهنا يستغرب المصدر، كيف لوزيرة الدفاع أن تحيّد الوحدة التي وضعت حوالى سبعة أو ثمانية سيناريوات لكوارث مختلفة وجرى تطويرها، وسارعت عند وقوع الانفجار لاعتماد السيناريو الملائم قبل، أن تكفّ يدها، بعدما لم تعرف الوحدة المخولة ادارة الكوارث مع أي جهة عليها أن تتواصل.
ويعتقد المصدر أن ضغطاً مورس من قبل الأمم المتحدة لتفعيل دور الوحدة، كذلك توقع الاستعانة بخدماتها مجدداً، “إذ تحتاج المرحلة إلى جسم إداري مدرب ليتمكن من العمل مع الأمم المتحدة. وهو ما لا يمكن للهيئة العليا للإغاثة القيام به بسبب افتقارها لجسم إداري كاف وللمؤهلات المطلوبة والتدريب، ما لا يمكّنها من متابعة العمل. فأقصى ما يمكن للهيئة القيام به هو احصاء الاحتياجات”.
لكن، الهيئة العليا للإغاثة فشلت حتى في إحصاء الأضرار والاحتياجات. وقام الجيش وكذلك قوى الأمن الداخلي بمسح بدائي جداً للأضرار، حيث اعتمدوا على تسجيلها باليد على ورقة. وتأخروا أكثر من شهر في إجراء مسوحات في أبنية كان أصحابها قد بدأوا بإصلاحها فاعتمدوا عليهم في التصريح عن الأضرار، وغيرها الكثير من الأخطاء. في هذا المجال، يؤكد المصدر العامل مع الأمم المتحدة، أنه جرى سابقاً تقديم تمويل إلى الهيئة العليا للإغاثة لشراء ألواح ذكية، وتسجيل البيانات عليها، لكنها لم تستعمل. وحول مصير هذه الألواح يرجح المصدر أن تكون قد وضبت في المستودعات.”ففي السابق ولدى زيارة إحدى الوحدات المعنية بادارة الكوارث والتابعة للجيش، اكتشفنا أنه جرى تحويلها إلى مستودع!”.
تفعيل الوحدة يعزز الشفافية
ومن حسنات تفعيل الوحدة، وفق المصدر المطلع على مهامها، تعزيز الشفافية في ما يخص مسألة توزيع المساعدات. إذ لا تتبع الهيئة العليا للاغاثة لأي وزارة. وهي كما مجلس الانماء والإعمار لها موازنة مستقلة، ولا تخضع لديوان المحاسبة ولا للتفتيش المركزي ولا لمحاسبة مجلس النواب لأنها تتلقى الهبات وتصرف من خارج الموازنة، “لذا يرتاحون للعمل معها” يقول المصدر. ويؤكد أنه وقبل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، قدّر عدد الأشخاص الأكثر حاجة للمساعدة بـ300 ألف، وأعلنت الأمم المتحدة عن الحاجة لجمع مبلغ 344،5 مليون دولار، ووضعت هيكلية للتنسيق ولاستخدام نظام تتبع للمساعدات لتبيان كيفية صرف الأموال. “طلبت الأمم المتحدة من الجيش استخدام هذا النظام لكن طلبها قوبل بالرفض، ما دفع بالأمم المتحدة لمحاولة الحصول على المعلومات من خلال الطلب إلى الممولين الإبلاغ عن المساعدات التي يقدمونها”، وفق المصدر. ويتابع “لكن وبعد زيارة ماكرون إلى لبنان، واجتماعه بمسؤولين في الجيش والجمعيات، تحدثت رشدي أمامه عن مشاكل تواجهها الأمم المتحدة مع الجيش والجمعيات. على أثر ذلك قام الجيش بنشر معلومات عن المساعدات عبر الموقع الالكتروني”.
قباني: لإقرار الهيئة صاحبة الصلاحيات
وبعد تشكيل وحدة إدارة مخاطر الكوارث التابعة لمجلس الوزراء، والتي تقيّد صلاحيتها بحكم تبعيتها لمجلس الوزراء، وغياب قانون يحدد مسؤولياتها وصلاحياتها، تقدّم النائب السابق محمد قباني، في العام 2012 من مجلس النواب، باقتراح قانون لإنشاء هيئة إدارة الكوارث، تمنح صلاحيات أكبر وقدرة على التدخل فوراً. وكان قباني حينها رئيساً للجنة الأشغال العامة والنقل النيابية. وبعد مرور 8 سنوات على تقديم اقتراحه، وقبل وقوع الكارثة بأشهر، ناشد قباني رئيس مجلس النواب نبيه بري إحالة المشروع على الهيئة العامة للتصويت عليه وإقراره. لكنّ ذلك لم يحصل إذ لا يكترث النواب لقوانين تخدم المواطنين.
في حديث إلى “نداء الوطن” يصف قباني الوحدة الحالية بالضعيفة وغير المؤثرة، “فهي مجرّد لجنة تابعة لرئاسة مجلس الوزراء تضمّ بعض الموظفين”. ويلفت قباني إلى الاختلاف بين “وحدة إدارة مخاطر الكوارث” الموجودة حالياً و”هيئة إدارة مخاطر الكوارث” التي درس إنشاءها على مدى سنوات بالتعاون مع الـ UNDP.
وتشمل الهيئة، وفق النائب السابق، هيئة عليا يترأسها رئيس مجلس الوزراء وتضمّ 13 وزيراً. “سيسأل الناس لمَ لا تضم كل مجلس الوزراء، الجواب أن مجلس الوزراء لا يمكنه الانعقاد إلا بأكثرية الثلثين. في حال الكوارث قد لا يتمكن الوزراء من التوجه إلى مكان انعقاد الجلسة، بينما يكفي حضور 5 وزراء لانعقاد الهيئة”. ويفترض بأن تضم الهيئة أيضاً، أمينين عامين مساعدين ورئيسي الدفاع المدني ومجلس الانماء والاعمار وجهاز إغاثة يتمثل بالهيئة العليا للاغاثة. ويشرح قباني أنه ولدى حصول كارثة كانفجار 4 آب، لا تعود الجهات المعنية بالإغاثة مستقلة، وتحل الهيئة مكان الدولة. كما أن وظيفة الهيئة توقّع الكارثة قبل وقوعها وتجنّبها، إذ على أجهزتها العمل على كشف الخطر والتعامل معه. “على العكس مما حصل، إذ علم رئيس الجمهورية والوزراء بوجود باخرة نيترات الأمونيوم وطلبوا من مجلس الدفاع التصرف ولم يتصرف”.
أما عن سبب المماطلة في إقرار الهيئة، حتى بعد وقوع كارثة، يقول قباني: “لأن أحد النواب المسلمين أصرّ على أن تتبع الهيئة لرئيس الجمهورية، بحجة أن رئيس مجلس الوزراء بات يرأس الكثير من اللجان. في حين ينص الدستور على أن يرأس رئيس الجمهورية هيئتين فقط هما، مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدفاع. ما يعني بأنه دستورياً لا يمكن للهيئة أن تتبع لرئيس الجمهورية”.
ويكرر قباني دعوة برّي لسحب مشروع إنشاء الهيئة من اللجان النيابية، وعرضه كبند وحيد على الهيئة العامة لمجلس النواب ليجري إقراره بسرعة من دون مناقشته. “لأنه جرى درس المشروع كثيراً وشاركت الامم المتحدة ومكتب الاونيسكو في باريس بصياغته”.