كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:
بشكل متوقع، سار لبنان نحو الهاوية التي كان يرسمها المسار الوبائي لـ«كورونا» منذ أشهر، في ظل تراخٍ رسمي وشعبي لم يرتق الى خطورة الأرقام التي ظل عدّاد الفيروس يسجلها بازدياد في الأسابيع الماضية، لتبلغ الأمور ذروة غير مسبوقة مع تسجيل أكثر من 1000 إصابة أمس، و11 ضحية جديدة. فيما عاد البحث في خيار الاقفال التام الى الواجهة مع التشكيك في قدرة كل الأجهزة المعنية على تطبيقه في ضوء التجارب السابقة. لبنان سقط في هاوية «كورونا».
قبل نحو شهر، أُثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي شبهات حول تلاعب وزارة الصحة، بالتواطؤ مع المستشفيات، في أعداد الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا و«تزوير» الأسباب الحقيقية لبعض الوفيات، بهدف تقاضي أموال من الجهات المانحة مخصصة لمساعدة لبنان على مواجهة الوباء. وقد نفى وزير الصحة حمد حسن، يومها، ذلك، واضعاً إياه في سياق تفشيل جهود محاربة الوباء والاستخفاف به. إلّا أن مصادر طبية أكدت لـ«الأخبار» أن تلاعباً من نوع آخر يقوم به بعض المستشفيات الخاصة عبر تسجيل بعض الوفيات غير المرتبطة بـ«كورونا» في خانة الوفيات من جراء الفيروس، بهدف الاستحصال على أموال من وزارة الصحة التي تسدّد المُستحقات الناجمة عن استشفاء الإصابات بالوباء خلال فترة قصيرة.
المصادر نفسها أشارت الى أن هناك قرضاً بقيمة 40 مليون دولار مخصصاً لمواجهة الوباء في لبنان، «ويجري التهافت على الاستفادة منه بأكبر قدر ممكن». ولفتت الى أن جدول الوفيات الصادر عن وزارة الصحة «يتضمن وفيات تُسجل في مُستشفيات خاصة شبه مُفلسة ومتعثرة وبحاجة ماسة الى مستحقاتها لدى الوزارة».
وهذا ما أكدته شهادة ذوي أحد المتوفين بأن إدارة أحد المُستشفيات في الجنوب عرضت إعفاءهم من الرسوم (نحو ثمانية ملايين ليرة) في حال زعموا أن مريضهم قضى بسبب «كورونا»!
ومعلوم أن غالبية المُستشفيات تعاني من نقص حاد في التمويل لعدم تقاضي مستحقاتها المتراكمة على وزارة الصحة، والتي يبلغ مجموعها أكثر من 450 مليار ليرة، وفق رئيس نقابة المُستشفيات الخاصة سليمان هارون. الأخير قال لـ«الأخبار» إنّ الوزارة وعدت بتسديد مستحقات فواتير الاستشفاء الناجمة عن كورونا خلال شهر أو شهرين، «لكنها لم تقم بالتسديد حتى الآن». ونفى وجود هذا النوع من التلاعب، «في ظل وجود طبيب مراقب تابع للوزارة»، وأكد أن النقابة ستجري تحقيقاً في الأمر.
مصادر وزارة الصحة، من جهتها، أكدت أن ملف كل مريض متوفى بـ«كورونا» يفترض أن يتضمن ملفه فحوصات تثبت إصابته بالفيروس، لافتة إلى أن هناك لغطاً يحصل لدى أهالي بعض المرضى حول سبب الوفاة، فيما يمتنع كثيرون عن «الاعتراف» بأن فقيدهم قضى بسبب الفيروس.
وبمعزل من محدودية هذا السلوك وعدم إمكان تعميمه، إلا أنه يستدعي تفعيل الرقابة على العمل الاستشفائي، إذ إن التشكيك في أعداد الوفيات من شأنه أن ينسحب على بقية المعطيات المرتبطة بالواقع الوبائي في هذا الملف الحساس الذي يتفاقم يوماً بعد آخر، والذي وصل الى ذروة جديدة أمس، إذ سُجّلت أمس 1006 إصابات (1003 مُقيمين وثلاثة وافدين)، ثمانية منهم يعملون في القطاع الصحي، كما سُجلت وفاة 11 شخصاً خلال الساعات الـ 24 الماضية، ليرتفع عدد المُصابين الفعليين إلى نحو 20 ألفاً وعدد الوفيات إلى 297.
وسبقت إعلان الأرقام دعوة وزير الصحة إلى «الإقفال التام لمدة أسبوعين قبل فوات الأوان»، داعياً إلى إسقاط كل الحسابات و«إعلان حالة طوارئ قابلة للتطبيق تؤدي الى وقف الانتشار. وعلى المؤسسات الاستشفائية تحمّل مسؤولياتها أمام المجتمع، وعلى الأجهزة الأمنية أن ترعى قانون التعبئة العامة والسهر على تطبيقه من دون استثناءات».
ويرأس حسن اليوم اللجنة العلمية لوضع توصيات تتعلق بمواجهة مُستجدات الواقع الوبائي، فيما تعقد لجنة التدابير الوقائية لمواجهة كورونا ظهراً اجتماعاً لـ«البحث في خيار الإقفال»، وفق مصادر أشارت إلى عودة النقاش المرتبط بالصراع بين الاعتبارات الاقتصادية والمحاذير الصحية، وملمّحة إلى إمكانية العودة إلى الإقفال بشروط كما حصل قبل أسابيع، علماً بأن إجراءات الرقابة والمتابعة التي اتخذت خلال الفترة الماضية تُركت إلى «ضمير» المواطنين والمقيمين، فيما الرهان على الوعي من دون إجراءات حاسمة لن يحصد إلا مزيداً من الإصابات ولا يعني إلا إقفالاً شكلياً.