كتب نبيل هيثم في الجمهورية:
«الفرنسيون على بيّنة كلية من الأسباب الحقيقية التي تعطّل مبادرتهم الإنقاذية للبنان، ومع ذلك فضّلوا أن يحبسوا ما في مَكنونهم حيال «المعطِّلين»، وقرّروا أن يُعطوهم فسحة زمنيّة، ولكن مؤقتة، لكي يعيدوا حساباتهم ويحيدوا عن هذا المنحى التعطيلي، الذي لن يكون في نتيجته سوى إلحاق الضرر الكبير بلبنان، وضرب الفأس في رؤوس كل اللبنانيين».
هذا ما أسمَعه الفرنسيّون حرفيّاً لشخصيّة لبنانيّة عاملة على خطّ المساعي ما بين بيروت وباريس، وما بين أطراف الاشتباك الداخلي على حلبة تأليف حكومة مصطفى أديب.
تقول تلك الشخصيّة: «في باريس كلام كبير تجاه اللبنانيين، وكما يقال باللبناني «من تحت الزنّار ومن فوق الزنّار»، والمستويات الفرنسيّة السياسيّة والأمنيّة لا تخفي اشمئزازها مما سَمّته الشخصيّة عينها «العبث الصبياني» بمبادرة ايمانويل ماكرون، التي تشكّل نافذة الامل الوحيدة لهم، مع كل هذا الإنسداد الدولي الكامل والمُحكم تجاه لبنان».
الغضب كبير في باريس، تقول تلك الشخصية، الى حد أنّ إحدى الشخصيات الفرنسية المسؤولة سألت اكثر من مرة وبنبرة فيها الكثير من الاستغراب: «قولوا لنا ماذا تريدون؟ لقد مددنا يدنا لكم، والرئيس ايمانويل ماكرون سَخّر وقته في خدمتكم انطلاقاً ممّا نعتبرها روابط تاريخية مع لبنان، ومما نعتبرها أنها مصلحتكم، ولكنكم مع الأسف أصرّيتم على التخريب على أنفسكم وعلى لبنان؟
وأهم ما في الكلام الفرنسي، على ما تنقل الشخصية اللبنانية، هو «انّ الوقت الفرنسي ثمين، وباريس ليست بصدد أن تضيّعه، وزير الخارجية جان إيف لودريان قال لكم «ساعدوا أنفسكم لكي نساعدكم»، والآن في ما أنتم فيه نقول لكم: المبادرة أمامكم، فهذه فرصتكم الأخيرة، والقرار النهائي عندكم».
على انّ ما تقول تلك الشخصية إنه أخطر ما سمعته في باريس «لقد وَفّرنا للبنانيين فرصة للتفاهم والمشاركة في إنقاذ بلدهم، وكما هو واضح مع الأسف فإنّهم يفوّتون هذه الفرصة، ويهربون من مسؤولية الانقاذ تارة بالتحايل وتارة أخرى بالمماطلة، وتارة ثالثة بقول الشيء ونقيضه في آن معاً، ومن ثم يغطّون ذلك بإعلانهم أنّهم يؤيدون المبادرة الفرنسية ويدعمونها وملتزمون بها، ظنّاً منهم بأنّ هذه الخدعة تنطلي على باريس وعلى الرئيس ماكرون. فما يجب أن يعلمه اللبنانيون أنّنا في نهاية المطاف لن نكون لبنانيّين أكثر منكم. وإن ضاعت فرصة المبادرة المتاحة أمامكم حالياً، سيدفع لبنان ثمناً باهظاً في شتى المجالات، وباريس قد لا تتوانى آنئِذ عن إخراجه من دائرة أولوياتها. وبالتالي، فإنّ باب باريس المفتوح للبنانيين الآن لن يكون مفتوحاً أمامهم بعد تضييعهم هذه الفرصة، حتى ولو أتوا إليها زاحفين».
تؤكد الشخصيّة اللبنانية انّ ما سمعته في باريس يعبّر عن عمق الغضب الذي يَنتاب إدارة الرئيس ماكرون حيال التعاطي اللامسؤول مع المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان، ووفقاً لِما تبلّغته من مسؤولين فرنسيين فإنّ الرئيس ماكرون يوشِك ان يستنفد كلّ جهوده مع القادة اللبنانيين، وساعتئذ، والتزاماً بالوعد الذي قطعه، لن يتأخّر في أن يطلق مواقف صادمة للبنانيين ويسمّي المعطّلين بأسمائهم بكلّ صراحة».
ولكن من هو المعطّل؟
تتكتم الشخصية اللبنانية على ما سمعته من الفرنسيين في هذا المجال، لكنها تشير الى «انّ الرئيس ماكرون شخصياً، تحدّث بكل صراحة حول هذا الموضوع مع الشخصيات اللبنانية التي تواصل معها في الفترة الاخيرة. ويمكنني هنا الاشارة فقط الى انّ المحادثات بين الرئيس الفرنسي وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري كانت جيدة ومريحة، وانّ باريس على يقين تام من صدقية الرئيس بري في دعمه للمبادرة الفرنسية والالتزام بها».
تضيف الشخصية نفسها «انّ الفرنسيين فوجئوا بعد تكليف مصطفى أديب تشكيل الحكومة في لبنان بأنّ ثمة من يحاول حَرف المبادرة عن مسارها، ناسباً إليها ما لم يدرج فيها، إن بالنسبة الى شكل هذه الحكومة، او الى تركيبتها، او الى توزيع الوزارات فيها، أو الى وزارة المالية ولأيّ جهة ستسند، او الى ما سمّيت بالمداورة. فلا المبادرة أتت على ذكر ذلك، ولا الرئيس ماكرون أتى على ذكرها، بل انه سبق ان أكّد للقادة الذين التقاهم في قصر الصنوبر «انّ الوضع في بلدكم خطير جداً، وهذا يوجِب عليكم ان تنحوا خلافاتكم جانباً، فجميعكم يجب ان تكونوا شركاء في الحل، وأمامكم فرصة لإعادة بناء الثقة بين بعضكم البعض، وأن تتفاهموا في ما بينكم وتتعاونوا في تشكيل حكومة تشتركون فيها في تلبية أمور المواطنين».
وعندما تُسأل الشخصية اللبنانية عما اذا كان قد سمع من الفرنسيين ما يشير، إضافة الى اسباب التعطيل اللبنانية، الى أسباب خارجية لهذا التعطيل وتحديداً أميركية، تجيب «انّ الفرنسيين لم يصدر عنهم ايّ كلام من هذا القبيل، بل كانوا يؤكدون دائماً انّ المبادرة الفرنسية منسّقة مع الاميركيين. لكنّ استنتاجي الشخصي، بناء على بعض المعطيات، هو أنّ الفرنسيّين مُدركون انّ اسباب فَرملة المبادرة الفرنسية، وتعطيل تأليف الحكومة، ليست لبنانية بالكامل، بل انّ لها بُعداً خارجياً يقبض على موقف وقرار بعض الاطراف في لبنان».
فالفرنسيون، وعلى ما تقول الشخصية اللبنانية عينها، ارتابوا من توقيت إصدار العقوبات التي طالت الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، مع انطلاق المبادرة الفرنسية، وباعتبارها لا تشكّل عاملاً مُسهّلاً لها، وثمّة رسائل فرنسية أبلغت الى مسؤولين لبنانيين تؤكد أن لا رابط على الاطلاق بين هذه العقوبات وبين المسعى الفرنسي. والمعلوم هنا انّ الرئيس نبيه بري اعتبر استهداف معاونه السياسي بهذه العقوبات رسالة مباشرة له شخصياً، ودفعت بالموقف الشيعي السياسي وعلى مستوى الطائفة الى التصلّب في مواجهة «طروحات إقصائية»، يوحي بها «مايسترو» من مكان ما، وبالتالي هي بالتأكيد أكبر من «الرباعي»، والمقصود هنا الرؤساء السابقون للحكومات. هذا مع العلم انّ الرئيس بري أعاد إبلاغ الفرنسيين مباشرة بالالتزام الحرفي والكلّي بالمبادرة الفرنسية».
وتلفت الشخصية نفسها الى انّ عاملاً ثانياً أثار ريبة الفرنسيين، وتجلى في إعلان منسّق مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية الاميركية ناثان سيلز بأنّ «حزب الله»، ومنذ العام 2012، أنشأ مخابىء للمتفجرات ونيترات الامونيوم في العديد من الدول الاوروبية، ومن ضمنها فرنسا. وهذه الريبة الفرنسية، ترجمت في مسارعة الخارجية الفرنسية الى التصدي للاتهام الاميركي ونفي وجود أيّ مخابىء لـ«حزب الله» على الاراضي الفرنسية.
تقول الشخصية: حيال موضوع العقوبات، لم يكن للفرنسيين ان يقوموا بأيّ خطوة اعتراضية مباشرة، ولكنّ نفي الخارجية الفرنسية ينبغي ان يُقرأ بتمعّن، وتقدير أبعاده، ورصد تداعياته، خصوصاً انه نفي يستفزّ الاميركيين. ذلك انه، أي النفي، بات يشبه «المستند» الذي يمكن لأيّ متهم من قبل الاميركيين ان يرجع إليه ليضع كل الاتهامات التي تصدر عن الادارة الاميركية، بحقّ أيّ كان، موضع شك وفاقدة للمصداقية.