Site icon IMLebanon

عن رهانات الحزب الخاسرة!

كتب طوني أبي نجم في “نداء الوطن”:

ربما ثمة من يراهن على إفراغ لبنان من المسيحيين بهدف تغيير وجه هذا البلد الذي كان المسيحيون في أساس تكوينه منذ ما قبل وجود صيغة الدولة، لا بل منذ فجر تاريخ هذه المنطقة. لكن التاريخ واضح وفيه أن الانتشار المسيحي على رقعة الجغرافيا اللبنانية عرف مدّاً وجزراً، بين الانكفاء إلى ما بين جرد جبيل وجرد بشري أيام الاضطهاد الكبير، وبين الامتداد على مساحة الـ10452 كيلومتراً مربعاً من أقصى الشمال في عكار إلى أقصى الجنوب في رميش ودبل وعين إبل والقليعة… وما بينها!

تعب المسيحيون في مراحل عدة من تاريخهم لكنهم لم ييأسوا يوماً ولم يعرفوا الاستسلام أبداً. صحيح أن المرحلة التي يمرون بها حالياً صعبة ومعقدة ومتعبة، لكنها ليست أصعب من مراحل كثيرة سابقة في تاريخهم يوم أُحرق بطاركتهم.

هذه المقدمة ليست للشحن الطائفي لا سمح الله، بل للتأكيد على أن اليوم لا يشبه الأمس أبداً، لأن الأزمة التي يشهدها لبنان لا تعني المسيحيين حصراً بل تعني أيضاً السنّة بشكل كبير وتعني الدروز وجميع اللبنانيين بمختلف طوائفهم، لا بل وتعني أبناء الطائفة الشيعية أولاً لأن من يمسك بزمام القرار الشيعي اليوم يُعرّض أبناء هذه الطائفة المؤسسة للكيان اللبناني إلى خطر شديد، خطر إلحاقهم برهانات على محور إيران الذي يبدو أنه بات خارج سياق التاريخ ما قد ينعكس على الجغرافيا أيضاً!

لقد نجحت إيران عبر “حزب الله” في أسر البيئة الشيعية في لبنان بنسبة كبيرة وفي سلخها عن انتمائها اللبناني وجعل ولائها لنظام الملالي في طهران، وهذا التموضع يخاطر بجعل هذه الطائفة الكريمة في موقع العداء لبقية اللبنانيين على قاعدة أن “حزب الله” يريد إخضاع الجميع لسيطرته ولمحوره وللهيمنة الإيرانية الشاملة. وهكذا يرتكب “الحزب” خطيئة لا تُغتفر بحق الشيعة أولاً كما بحق جميع اللبنانيين وخصوصاً أن رهاناته باتت خاسرة في ظل تراجع محوره بالكامل، وما من دليل أبلغ سوى صدور أصوات من داخل حزب “البعث السوري” تؤكد أن السلام بين سوريا وإسرائيل سيكون قريباً جداً وأن سوريا ستخرج من محور الممانعة.

كل الصورة الإقليمية المستجدة والوقائع المتسارعة بمباركة أميركية – روسية تؤكد أن من بات معزولاً في لبنان هو بيئة “حزب الله” وليس أي بيئة أخرى، وأن المسيحيين هم في تحالف استراتيجي مع بقية المكونات الوطنية بحيث يعانون جميعاً من ممارسات “حزب الله” ورهاناته، وأن من بات محاصراً في الإقليم هو إيران وليس العرب.

إنطلاقاً من كل ما تقدّم لا يمكن لـ”الحزب” أن يراهن على “التآمر” مع السُنّة ضد المسيحيين لأن ما يجمع السُنّة مع المسيحيين أكبر بكثير مما يجمعهم مع “حزب الله”، لا بل إن محاولات القيادات السنيّة الإبقاء على الحد الأدنى من العلاقات مع “الحزب” أنهكتهم وأضعفتهم وصادرت دورهم الوطني.

وإنطلاقاً مما تقدّم أيضاً يُدرك المسيحيون أنهم يخوضون إحدى أهم المعارك في تاريخهم الوطني، وسيخوضونها أولاً بالثبات في لبنان والتمسّك به، وثانياً بالتأكيد على أنهم في خطوط المواجهة الأمامية مع مشروع “حزب الله” إلى جانب شركائهم في الوطن وبأن زمن الخضوع لرغبات “الحزب” تحت شعار “أم الصبي” ولّى إلى غير رجعة، وثالثاً بتعميق العلاقات مع أصدقاء لبنان التاريخيين وفي طليعتهم الولايات المتحدة والدول الغربية وأيضاً وبشكل واضح الدول العربية والخليجية التي تحضن مئات آلاف اللبنانيين.

والخلاصة أن أحداً لن يخضع لـ”الحزب” في لبنان بعد اليوم، ولن تتشكل أي حكومة بشروطه، ولن تنفع أي ممارسات للتهويل أو التهديد لأن عصر الاستقواء انتهى، وآن أوان الهزيمة الشاملة لبقايا المحور الإيراني، فهل ثمة من يستلحق نفسه لإنقاذ البيئة الشيعية في لبنان من المصير الذي يجرّها إليه “حزب الله”؟!