كتب درويش عمار في “اللواء”:
حكاية قصر الاليزيه ومبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع القصور والصقور في لبنان تبدو للعيان حكاية معقدة وصعبة حتى الساعة على الأقل، وقد أصبحت قصة تلك المبادرة كقصة ابريق الزيت، تكاد لا تجد ليونة في المواقف أو حلحلة في الاتصالات الجارية على هذا الصعيد فيما التصلب سيّد المواقف من قبل جميع الأطراف المعنية بالشأن العائد لتشكيل حكومة الرئيس المكلف مصطفى أديب.
فبالأسماء والوقائع يبدو المشهد على الساحة اللبنانية حالياً قاتماً ومعقداً، وأقل ما يقال في هذا السياق وصف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال رده على أسئلة الصحافيين أمس اننا سنواجه «جهنم» في حال عدم التوصّل أو الاتفاق لتشكيل الحكومة الجديدة.
إذن، الحكاية كل الحكاية انطلقت من قصر الاليزيه بمبادرة من الرئيس الفرنسي ماكرون تجاه لبنان واللبنانيين، وقد شهدنا على مدى الأيام والأسابيع الماضية سلسلة تعقيدات وصعوبات لم تثمر رغم كل الجهود لإبصار حكومة الرئيس أديب النور حتى الآن واصدار المراسيم بشأنها.
فمن قصر الاليزيه إلى قصر بعبدا، إلى قصر الصنوبر، وقصر عين التينة وقصر المختارة وقصر بيت الوسط وقصر معراب وقصر بنشعي وقصر خلدة وقصر بكفيا مروراً بقصور وبيوت نادي رؤساء الحكومة السابقين وانتهاء بمقرات رؤساء الطوائف الروحية في لبنان. كل تلك الأماكن والقصور بساكنيها وروادها وزوارها ومستشاريها نجدها جميعها تتصلب في المواقف والآراء ولا تتنازل عن مطالبها قيد أنملة وتتمسك بها بشراسة، بعضها تحت ستار التمسك بالدستور والبعض الآخر تحت شعار التمسك بالميثاقية كعرف لتأمين التوازن الوطني والوزاري بين مختلف الأطراف.
أما ما هي الحلول أو المخارج لمثل هذه المواقف المتشنجة فمن الصعب الاجابة عن هذا السؤال حالياً الا في حالة واحدة هي ان لا تتدخل الدول الكبرى المعنية بالشأن اللبناني بشكل مباشر أو غير مباشر وبتحييد نفسها عمّا يجري على الساحة اللبنانية ربما قد يساهم ذلك في تنازل الفرقاء اللبنانيين عن مطالبهم أو بعضها على الأقل وعندها يُمكن تسهيل مهمة الرئيس أديب بتشكيل الحكومة العتيدة تفادياً للأسوأ ومنعاً للدخول في «جهنم» وبأوضاع كارثية على مختلف الصعد لا سيما الاقتصادية والمالية والاجتماعية منها ان لم نقل ونتطرق إلى الواقع السياسي وربما الأمني أيضاً الذي بدأت أخطاره تلوح في الأفق بين منطقة وأخرى وبين حين وآخر.
من هنا، هل بدأت مبادرة الرئيس الفرنسي تترنح فعلاً، وهي باتت تصطدم بالصقور وساكني القصور والمستشارين والطباخين، الذين مع كثرة عددهم وأفكارهم وآرائهم قد يحرقون الطبخة التي لا تزال على نار خفيفة، من ثم يأخذون البلد إلى الانهيار والانقسام والتشرذم، وعندها قد يصح كلام النائب السابق وليد جنيلاط -لا سمح الله- قد نجد أنفسنا عند صياح الديك فقدنا لبنان الكبير، وهذا ما كان قد قاله أيضاً وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان في وقت سابق.
كل ذلك يجعلنا نتساءل وماذا بعد في حال سقط الهيكل على رؤوس ساكني تلك القصور وغرقت السفينة بركابها من كل الاطراف والاطياف دون تفرقة أو تمييز، وبالتالي كيف سيستطيع لبنان حينئذ أن يواجه الكارثة الكبرى التي ستحل على الجميع أرضاً وشعباً ومؤسسات، وهل تسنى لأولئك جهابذة السياسة في لبنان أن يسألوا أنفسهم ماذا سيحكمون وبمن سيتحكمون وماذا ستفيد القصور والكراسي والمناصب في حال خسرنا لبنان، والجواب يبقى برهن أولئك السياسيين ساكني تلك القصور.