انطلق العام الدراسي في معظم المدارس الخاصة بطريقة التعلم عن بعد، على ان تفتح أبوابها حضوريا مطلع الاسبوع المقبل في 28 الجاري، اذا لم يطرأ تعديل حيث سيقتصر الحضور على ثلاثة ايام في الاسبوع مع تخفيض عدد التلامذة في الصف الواحد الى النصف واحترام التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات وعدم الخروج الى الفسحات واختصار المنهج الدراسي الى النصف. الا ان رياح “كورونا” تجري بما لا تشتهيه المؤسسات التربوية ووزارة التربية، وتشير المعطيات الى احتمال تأجيل فتح المدارس حضوريا.
وترتسم صورة ضبابية غير واضحة حول مسار العام الدراسي. فالعراقيل والتحديات كبيرة، بدءا من الوضع الاقتصادي المتردي والذي يزداد سوءا يوما بعد يوم، ويثقل كاهل الاهل والمدارس على حد سواء. ففي حين يكافح الاهل لإكمال دراسة أبنائهم مهما بلغت الصعاب، تحاول المؤسسات التربوية جاهدة تقديم الافضل لتلامذتها مع تقليص النفقات والمستحقات قدر الامكان. فسمحت بعض المدارس لتلامذتها باختصار القرطاسية الى الحد الادنى واستعمال الدفاتر المتبقية من السنة المنصرمة وتصوير الكتب، خاصة “الانكليزية” التي تباع بالدولار وارتفعت اسعارها ثلاث مرات عن السنة الماضية، وتساهلت لناحية ارتداء الزي المدرسي في حال عدم توفره او عدم القدرة على شرائه.
وحمّلت مدارس أخرى الكتب “الفرنسية” المتوفرة بنسخة مجانية لتلامذتها على حواسيبهم، الا ان تلك التي لم تتوفر مجانا، اضطر الاهل لدفع ثمنها باليورو، لأن الشركات المختصة تسدد ثمنها بالعملة الاجنبية، ما شكل عبئا اضافيا على الاهل. الى ذلك، وجدت وزارة التربية حلا لكتب المركز التربوي التي لم يتقدم احد الى المناقصة التي طرحتها لطبعه، فأصدرته بنسخة رقمية متاحة للجميع. إلى جانب الاقساط المدرسية وأسعار الكتب القرطاسية المرتفعة، مصاريف إضافية وتعقيدات يفرضها التعلم عن بعد على الاهل من شراء اجهزة كمبيوتر وهواتف ذكية وانترنت سريع وتأمين الكهرباء دون انقطاع، والـ antivirusلحماية الاجهزة من القرصنة والتي تسعّر بالدولار.
رئيس المدرسة البطريركية الربوة ليون كلزي اوضح، لـ”المركزية”، “اننا ننتظر توجيهات وزارة التربية وما اذا كانت ستقرر تأجيل فتح المدارس، ونعمل يوما بيوم، ومخطئ من يؤكد انه يعرف ما ستؤول اليه الامور وما اذا كان التعلم سيقتصر على الاونلاين فقط”، لافتا الى أن “المشكلة تكمن في بعض الهيئات الادارية والتعليمية غير الجاهزة للتعليم عن بعد، وفي احيان اخرى العائلات غير مجهزة تقنيا أيضا، ولكن هذا افضل الموجود في ظل التحديات التي نواجهها، ولا خيارات اخرى امامنا. فهل نلغي التعليم؟ نحاول القيام بأفضل الممكن”.
وعن الأقساط، أجاب: “يشبه وضع المدارس وضع الشعب اللبناني ككل، الاشغال تتراجع والبعض ترك عمله ناهيك بانفجار المرفأ وكل الخسائر التي احدثها في الممتلكات والارواح والبنى التحتية والحركة الاقتصادية والانكماش السياسي الذي نعيشه… ما انعكس تراجعا في قدرة الاهل على دفع الاقساط رغم أنها لم تعد تساوي الكثير مع التضخم الحاصل”، لافتا الى أن “بعض المدارس لم يتمكن من تحصيل اقساط السنة الماضية وعددها كبير، ولا توجد مدرسة واحدة مرتاحة الى وضعها، حتى المدارس الكبرى تئن، والمدارس التي لديها مخزون يمكنها ان تصمد شهرين او ثلاثة على الاكثر. وتباعا ستظهر المشاكل. فالخزان الذي لا يمتلئ يفرغ مهما كان كبيرا”، مشددا على أن “المدارس تقوم بكل ما في وسعها للاستمرار. لا يمكننا ان نراوح مكاننا وان نذهب الى اللاحلول ومراكمة المشاكل في ظل دولة عاجزة. مع العلم ان امورا كبيرة كهذه تحتاج الى تدخل كبير للحد من وطأتها”.
وأضاف: “القطاع التربوي استراتيجي لبقاء البلد وليس قطاعا يمكن تعويضه. فالجيل الذي يتربى لم يحصل على فرصته في التعلم ونكون قد ضربنا البلد لفترة تفوق الخمسة عشر عاماً. اعادة استدراك هذا العطل ليس سهلا وتأثيره على الاجيال ومستقبل البلد. والخطر الاكبر يكمن ليس فقط في عدم تلقي التلميذ العلم وبقائه في المنزل، إنما من خلال النماذج التي يراها يوميا من الخلافات السياسية والفلتان الاعلامي والانفلاش اللفظي وقيادات متمسكة بالقشور ويتقاتلون فيما البلد منهار ووسائل التواصل الاجتماعي غير منضبطة… نضرب جيلا بأكمله. ما هي الصور التي يختزنها هذا الجيل في دماغه للمستقبل؟ الولد يتربى على النماذج. فما هي القيم التي يبني عليها مستقبله؟ وعلى اي اسس ومرتكزات سيبني بلده”؟