تعيش شركات التأمين حالة تخبّط بعد انفجار مرفأ بيروت. فهي تترقب قرار شركات إعادة التأمين المرهون بنتائج التحقيق الرسمي لمعرفة “المسبب” للكارثة. كافة السيناريوات التي سيفرضها التقرير، إذا ما صدر أصلاً، ستأتي بما لا تحمد عقباه. فانفجار المرفأ قد يكون سبباً مباشراً لإعادة هيكلة القطاع، التي تبدأ بعمليات الدمج والإستحواذ بين شركات التأمين ولا تنتهي بتخلّي شركات إعادة التأمين العالمية عن السوق اللبناني. فهل سنكون أمام مشهد مماثل لما تشهده المصارف، لكن بإستبدال المودعين بالمؤمنين هذه المرّة؟
“إذا لم تدفع شركات التأمين التعويضات المترتبة عن الأضرار، ستكون الشركات المحلية ملزمة بدفع التعويضات وفقاً لمتوجبات العقود من أموالها الخاصة. الأمر الذي لا تتحملة جميع الشركات. أمّا إذا قامت شركات الإعادة بدفع التعويضات، فلن يكون واقع شركات التأمين أفضل بكثير”. يقول مدير عام شركة “Phenicienne La” للتأمين شربل سلامة. “فشركات التأمين لم تتمكن من تحويل الأقساط المستحقة لشركات الإعادة منذ نهاية العام الماضي بسبب القيود التي فُرضت على حركة الأموال. وفي حال قرر معيد التأمين أن يدفع التعويضات للمتضررين إثر الانفجار، فقد يلجأ لتسوية حساباته مع شركات التأمين، فيقتطع بذلك الاقساط المستحقة من قيمة التعويضات”.
إعادة هيكلة القطاع
موعد تجديد العقود بين شركات التأمين وشركات الإعادة يحل نهاية العام الحالي. وهنا يسأل سلامة، “هل ستقوم شركات إعادة التأمين بتجديد هذه العقود؟
وهل ستستمر بالإستثمار في سوق لبنان الصغيرة التي كبّدتها سلسلة خسائر متلاحقة بدأت مع تغطية تكلفة علاج مرضى كورونا من المؤمنين بموجب عقود تأمين صحية ولم تنته بعدم إستيفاء الأقساط؟ وكيف ستكون قيمة الأقساط في حال قبول شركات الإعادة تجديد العقود؟”. وبرأيه “قد تختار بعض شركات إعادة التأمين العالمية التخلّي عن السوق اللبناني، وفي أحسن الأحوال سترفع من قيمة الأقساط. كما ان هذة الأزمات قد تدفع باتجاه التسريع بإعادة هيكلة القطاع وإنشاء كيان وطني لإعادة التأمين”:.
تقييم الخسائر وانتظار التعويض
ينشغل المتضررون المؤمنون بتوثيق الخسائر وتحضير ملفات طلبات التعويض، فحوالى 90 بالمئة من الأضرار المؤمنة تنتظر قرار شركات إعادة التأمين. بدورها نقلت “جمعية شركات الضمان في لبنان ACAL” نتائج إيجابية جداً بخصوص التعويض على المتضررين المضمونين، وتوقعت “التوصّل الى اتفاق نهائي مع المُعيدين العالميين فور انتهاء الخبراء من تقييم الأضرار، حتى قبل صدور التقرير الرسمي الذي يحدّد سبب الانفجار وطبيعته”. إلا ان هذة الإيجابية لم تنعكس بخطوات عملية ملموسة حتى الساعة. شركات التأمين ستعقد هذا الأسبوع إجتماعاً لتقرر آلية تعاطيها مع طلبات الزبائن وفقاً للسيناريوات المتوقعة حول ماهية التقرير الرسمي المنتظر. فحتى الساعة آثرت هذه الشركات التريث في التعامل مع الأضرار، باستثناء تلك المتعلقة بعقود “التأمين على المركبات”. حيث بدأت مؤخراً بدفع التعويضات المترتبة عن هذه العقود التي تمثل ما يفوق 80 في المئة من إجمالي العقود المبرمة في السوق المحلية. “ذلك ان عقود التأمين على المركبات هي الأقل تكلفة” يقول سلامة. “وبالتالي ستتمكن شركات التأمين من تغطيتها”.
مدير عام شركة “First Insurance Brokers” لوساطة التأمين فادي حلبي يعتبر أن “شركات التأمين تعمد إلى إرسال المركبات إلى ورش التصليح أو “الكاراجات”. وهي طريقة التعويض الأكثر رواجاً حالياً”. إلا ان الأعداد الكبيرة لطلبات التعويض عن المركبات دفعت شركات التأمين لإنشاء لوائح إنتظار. وبحسب ما تنقل مروى رمضان احدى المتضررات عن وسيط التأمين “أنها لن تتمكن من تصليح سيارتها قبل عشرة أيام”. أمّا المركبات التي قام أصحابها بتصليحها على نفقتهم الخاصّة بعد أن وثقوا الضرر فيحصلون على تعويض مادّي. بيد أن هذا التعويض لا يوازي التكلفة التي تكبّدها صاحب المركبة. لان بعض الشركات تحتسب الدولار على سعر الصرف الرسمي، أي 1500 ليرة للدولار الواحد. وفي هذا السياق، يروي نبيل هارون، أحد وسطاء التأمين، أن أحد عملائه تقدم بطلب تعويض تضمّن إيصالاً بقيمة 6 ملايين و200 الف ليرة، أي ما يعادل 840 دولاراً، فدفعت شركة التأمين مبلغ 1250 ليرة فقط كتعويض. أما بعض الشركات فتدفع التعويضات بواسطة شيكات بنكية بالدولار وبذلك يستفيد المؤمن بسعرصرف 3900 ليرة للدولار الواحد.
تعويضات “العقار” و”الحياة” معلقة
التعويضات المترتبة على عقود “التأمين على الحياة” أو التأمين الصحي، وعقود “التأمين على العقارات” وغيرها من الأصول فهي رهن شركات إعادة التأمين، التي ستقوم بالتعويض على جميع الخسائر المؤمنة وفقاً لمقتضيات العقود المبرمة إذا تبين أن الانفجار نتج عن إهمال أو خطأ ما. فيما لن تدفع هذه الشركات التعويضات عن كافة الأضرار المؤمنة إذا ما ثبت أن الانفجار هو عبارة عن عمل تخريبي متعمد. وفي هذه الحالة، تدفع شركات إعادة التأمين التعويضات المترتبة عن العقود التي تتضمن تأمين المخاطر الناتجة عن عمل إرهابي. وبحسب سلامة “أن المشكلة تكمن في ان ضخامة الخسائر المؤمنة والتي تفوق رساميل بعض شركات التأمين، وبالتالي فهي لن تستطيع دفع التعويضات المترتبة عن عقود التأمين في حال رفضت شركات الإعادة دفع هذة التعويضات.” وبرأيه “تشكل عقود التأمين المعاد تأمينها حوالى 95 بالمئة من مجموع العقود.
لا يخفي المؤمنون المتضررون، الذين قدموا ما يفوق العشرة آلاف طلب للتعويض، قلقهم. فـ”صدور نتائج التحقيق قد يستغرق سنوات” يقول جورج عبسي صاحب إحدى الشقق المتضررة في منطقة الرميل. “إلا انني قمت بواجبي وقدّمت، إلى شركة التأمين ملفاً يضم صوراً توثق الأضرار التي لحقت بمنزلي ولائحة بتكلفة أعمال التصليح. فلنجرب لعلّ وعسى”.
مستقبل قطاع التأمين لن ترسمه بعد الآن الخطط والاستراتيجيات، بل سيفرضه الأمر الواقع. فالمخاطر في لبنان تستلزم عقود تأمين فريدة ومفصّلة على قياس الأحداث التي لا تحتاج إلى خبراء أكتواريين بل إلى منجمين لتوقع الأسوأ… والأسوأ دوماً.