Site icon IMLebanon

حذار نسيان أو تناسي التدقيق الجنائي

كتب درويش عمار في “اللواء”:

كذب المنجمون ولو صدقوا.. مقولة تتردد على الألسن والشفاه في معظم الأحيان بين النّاس، أما في لبنان يمكن القول كذب المسؤولون والسياسيون ولو صدقوا، كما وأن هناك مقولة أخرى تقول: «إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا»، أما في هذا البلد فإن المسؤولين والسياسيين فيه يتسترون بالمعاصي فيما بلاءهم يصيبه النّاس كل الناس.

وبما انه قد اختلط الحابل بالنابل في أيامنا هذه، في بلد الأرز والإشعاع والنور والرقيّ والحضارة والتقدّم والإبداع، في لبنان الذي تغنّى به الشعراء والادباء والفلاسفة والعلماء، لبنان هذا بلد فيروز والرحابنة والصافي وصباح ونصري شمس الدين وزكي ناصيف وملحم بركات وغيرهم من كبار الفنانين، بلد جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وفؤاد افرام البستاني وبولس سلامة وسعيد عقل وأمين معلوف وغيرهم أيضاً، الذين عايشوا لبنان على مدى العصور، وقد خلّدوا ذكراهم وكتاباتهم في قلوب الجميع. بلد النخبة من الذين نجحوا وبرعوا في الخارج وكان لهم اليد الطولى في إنجاز الاختراعات كحسن كامل الصباح ومايكل دبغي وغيرهما من المبدعين في حقول الطب والهندسة والحقوق والأعمال إضافة إلى الرسم والنحت والفن بكافة أشكاله.

ترى، هل يستحق لبنان أن يصل في هذه الحقبة من الزمن بواقعه وسمعته وقدراته وكيانه ومصيره واقتصاده وناسه إلى ما وصل إليه حالياً، وبالتالي أين نحن اليوم من الأمس القريب والبعيد حيث كنا نتغنّى ببلدنا وبما تميّز به من ثقافة وإبداع وعطاء، وما حققه من قفزات نوعية ونجاحات في مختلف الحقوق والميادين.

أليس علينا كلبنانيين جماعة وأفرادا أن نعترف بالحقيقة المرّة التي وصلنا إليها لأن لبنان أيها الأحبة بات في الحضيض وهو يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة في غرفة العناية الفائقة، والخوف كل الخوف أن نسمع بين ليلة وضحاها نعي لبنان كدولة وكيان ومؤسسات وأن تتم إزالته عن الخارطة بين دول العالم.

كل تلك الأمور الكارثية تجري، فيما المسؤولون والسياسيون في هذا البلد ما زالوا يتناتشون الحصص والمغانم والمكاسب والمصالح الذاتية على حساب أبناء شعبهم والوطن، دون أن يفكروا ولو للحظة واحدة بالخطر المحدّق الذي بات يُهدّد الجميع على مختلف الصعد والمستويات، وكل منهم يغنّي على ليلاه، حيث عادوا بنا كلبنانيين عشرات لا بل مئات السنين إلى الوراء، وأحيوا التخلّف والطائفية والمذهبية من جديد بين أبناء الوطن الواحد، والخوف ان تسود العشائرية والقبلية بين أبناء بلد الإشعاع والنور لبنان.

وما الحروب التي شهدها هذا البلد بدءاً بـ1860 مروراً بما سمّي بثورة 1958 وحرب 1975 وامتداداً إلى حروب الإلغاء والتحرير ناهيك بالصراعات والخلافات بين أبناء الطائفة الواحدة والمنطقة الواحدة والمذهب الواحد، مع عدم اغفال العدوان الإسرائيلي على لبنان في 1982 وحرب تموز 2006، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، وها نحن اليوم من حيث ندري أو لا ندري نطلق لغرائزنا العنان دون أن ندرك مدى خطورة ما نحن ذاهبون إليه وما يخطط لهذا البلد وأهله من مؤامرات تُحاك من قبل أعدائه وحساده والطامعين بأرضه وخيراته وثرواته، دون أن يكون للعقلاء ومحبي لبنان دور فعّال حتى الآن لإيقاف مثل تلك المؤامرات وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

إذن، لا بدّ من أن نتساءل لماذا نسي النّاس أو تناسوا في ظل ما نعيشه حالياً ويومياً من صراعات بين المسؤولين والسياسيين على وزارة من هنا أو من هناك، في سياق تشكيل الحكومة العتيدة، موضوع التدقيق الجنائي الذي كان سيؤدّي إلى كشف المستور وأسماء الناهبين والسارقين المتلاعبين بمصير البلاد والعباد وبأموالهم التي هرّبوها إلى الخارج وكدّسوها في حساباتهم هناك بالمليارات، ومثل هذا التدقيق الجنائي كان وحده كفيلاً بكشف الأسماء والأشخاص المتورّطين بهذا الشأن، حيث كان سيطلب منهم إعادة الأموال المنهوبة إلى مستحقيها وأصحابها من المودعين بعد أن سطوا عليها دون حق أو مسوغ قانوني.

ترى هل من مصلحة أحد تحويل الأنظار عن هذه الضرورة بالسير بالتدقيق الجنائي؟ وهل يمكن إلهاء النّاس عن هذا الموضوع المهم جداً من خلال إشعال المهاترات السياسية تحت شعار المحافظة على الطائفة أو المذهب حيناً، أو تحت ستار الطائف والدستور حيناً آخر أو الميثاقية أيضاً وأيضاً وهذا كلّه يُؤكّد ان البلد بات يحتضر وقد أصبح على شفير الهاوية؟!