كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
قبيل تلاوة بيان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، كانت كل المؤشرات، سواء تلك الظاهرة للعيان أم تلك المكتومة، توحي بأنّ المبادرة الفرنسية معلّقة إلى أجل غير معروف. التعقيدات الخارجية لا تقلّ صعوبة عن الصعوبات الداخلية. مزيج من الأسباب جعل من ولادة حكومة مصطفى أديب مهمة شبه مستحيلة. أقله في الوقت الراهن. التوتر الاقليمي يشتدّ أكثر مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، فيما ينتظر أن تشهد المدة الفاصلة جولات جديدة من الضغوطات الأميركية، سيستحيل معها تسجيل أي خرق محلّي، إلّا اذا تمّ الاتفاق على تحييد لبنان وإعفائه من تجرّع كأس الفوضى الشاملة المرّة.
لا بل ثمة من يخشى من أن تسلك الضغوطات الأميركية مساراً تصاعدياً مع بدء العدّ العكسي لفتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة لاختيار خلف لدونالد ترامب أو التمديد له، ما يعني أنّ واشنطن ستقطع حكماً الطريق على أي مسعى ستقوده باريس لتمرير الوقت في بيروت عبر وضع قطار الورشة الإصلاحية على سكتها.
ورغم ذلك، يقول المواكبون إنّ الإدارة الفرنسية لا تزال حتى اللحظة متمسكة بمبادرتها لاعتبارات عدّة، لعل أهمها الخشية من تحولها إلى صفعة على وجه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يعاني أصلاً من تراجع شعبيته. ولذا قد تبقي باريس على مبادرتها بمثابة ربط نزاع، علّها تتمكن من اقناع واشنطن بفرملة اندفاعتها قليلاً كي لا تطيح بما تبقى من الاستقرار اللبناني الذي يقترب من أمتاره الأخيرة.
في هذه الأثناء، تحاول حكومة حسان دياب المستقيلة تصريف الأعمال بالحدّ الأدنى الممكن، وبصمت تام، وهي على دراية تامة بأنّ أياماً شاقة تنتظرها، في ما لو بلغت مساعي التأليف خلال الشهرين المقبلين جدراناً مقفلة، قد ترحّل المهمة إلى العام المقبل. صمت لم يخرقه سوى السجال الخارج عن المألوف بين وزيري الصحة حمد حسن والداخلية محمد فهمي حول إجراءات الإغلاق بعد تفشي فيروس كوفيد-19 على نحو هستيري!
أما غير ذلك، فكثير من السكون يلفّ السراي الحكومي والمقار الوزارية. لعل السبب هو “الإفلاس” السياسي والمالي الذي يصيب الدولة برمتها وقد حولها إلى هيكل كرتوني سرعان ما سيسقط حين ستحين ساعة اعلان الانهيار الكبير.
في الوقائع، لم ينتظر حسان دياب مراسم التسليم والتسلم لمغادرة السراي الحكومي. سارع إلى توضيب أغراضه الشخصية لينتقل إلى منزله حيث يمضي ما تبقى من مدة تصريف الأعمال بعد اعادة ترميمه من الأضرار التي تعرّض لها جرّاء انفجار المرفأ، ولو أنّه كان يعتقد أن المهلة الفاصلة ستكون مقتضبة ربطاً بالمهلة الزمنية التي حددها الرئيس الفرنسي للتأليف. واذ به يزاول نشاطه خلال مدة تصريف الأعمال وكأنّ هذه المدة قابلة للتمديد والتمديد. ولعل هذا الصمت، أو الغياب كما يرى خصوم الحكومة، هو الذي دفع رئيس حزب “القوات” سمير جعجع إلى التوجه إلى رئيس الحكومة والوزراء بالقول: “ما زلتم أنتم المسؤولين حتى تشكيل حكومة جديدة. ليس مقبولاً ترك الأمور على غاربها بحجة أن حكومتكم حكومة مستقيلة”.
في الواقع، إنّ احتمال أن تعقد حكومة تصريف الأعمال اجتماعاً ليس وارداً، ولو أنّ الظروف التي تعيشها البلاد أكثر من استثنائية، ولكن منذ استقالتها تستعيض الحكومة عن اجتماعاتها بلقاءات وزارية عندما تقتضي الحاجة، بعضها بعيد عن الاعلام برئاسة دياب في السراي، وبعضها الآخر برئاسة رئيس الجمهورية كما حصل بالأمس بخصوص الموضوع المالي. ولكن لا نيّة أبداً وفق مصادر حكومية في تفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال.
تشير المصادر إلى أنّ الظروف التي فرضت استقالة الحكومة لجهة الضغوطات التي كانت تتعرض لها والخلافات التي نشأت بين مكوناتها، تحول دون اعادة تزخيم نشاطها من جديد لملء الشغور الحاصل. ولهذا يكتفي رئيسها بالقيام بما تسمح به النصوص والقوانين لتسيير شؤون الدولة بالحدّ الأدنى الممكن.