كتب درويش عمار في “اللواء”:
قد يكون من السهل جداً الصعود إلى أعلى الشجرة أما الأصعب فهو كيفية النزول منها، فإذا كانت التطورات الأخيرة المرتبطة بتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس المكلف مصطفى أديب قد فرضت واقعاً جديداً على جميع المعنيين بالشأن السياسي في البلد، وإذا كانت السجالات التي تابعناها بين نادي رؤساء الحكومة السابقين من جهة والثنائي الشيعي من جهة ثانية إضافة إلى أطراف أخرى قد أدت قسطها للعلى وعكست صورة متشنجة وتشاؤمية في ما بين سائر الأطراف المعنية بهذا الشأن، الا أن المفاجأة برزت أمس الأوّل الثلاثاء من خلال البيان المفصل الذي أصدره الرئيس سعد الحريري معلنا قبوله تسلم شخصية شيعية وزارة المال مع سلسلة تحفظات وشروط أوضحها في سياق بيانه هذا.
إلا أن موقف ما تبقى من نادي رؤساء الحكومة السابقين أي نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام المتحفظ على موقف الرئيس الحريري معتبرين انه موقف شخصي ولا يمثلهم، جعل الانظار تتجه نحو الثنائي الشيعي لإستكشاف ردة الفعل لديه بشأن موقف الحريري وموقف نادي رؤساء الحكومة السابقين سلباً أو إيجاباً بالتزامن مع صدور بعض الإشارات والتلميحات الإيجابية التي صدرت عن مراجع مقربة من عين التينة، وقد اكتفت بوصف الوضع والصورة بأنها لم تعد تشاؤمية..
ماذا يعني كل ذلك بالمفهوم السياسي وبالتالي كيف يُمكن البناء على مثل هذه المعطيات المستجدة إذ أن الاتصالات والإجتماعات الجارية على قدم وساق على مدار الليل والنهار في الغرف المغلقة ووراء الكواليس توحي بأن بوصلة الحل على صعيد تشكيل الحكومة العتيدة تتجه نحو ايجابيات ما، مما بات يُشير أيضاً إلى قرب تحديد موعد للرئيس المكلف أديب لزيارة قصر بعبدا ولقاء الرئيس عون، وبعدها قد يفضي هذا اللقاء إلى إعلان المراسيم وأسماء أعضاء الحكومة الجديدة.
كل ذلك يجعل المراقبين والمعنيين بمواكبة الشأن اللبناني يؤكدون انه ربما هناك توزيع أدوار محلي واقليمي ودولي بهدف تحريك الركود على صعيد تشكيل حكومة الرئيس أديب وبالتالي تفعيل الاتصالات بحلحلة العقد وإزالة الصعوبات برمتها للانطلاق بمسيرة التأليف، وهذا ما بدا جلياً من خلال الجهد الكبير والشخصي الذي بذله ولا يزال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ومعاونوه في قصر الاليزيه، وما الاتصال الهاتفي الذي أجراه بالرئيس الحريري الثلاثاء الماضي قبل إعلان الأخير مبادرته أو مفاجأته الا دليل على مدى جهد واهتمام الرئيس ماكرون بهذا الشأن، ثم ما لبث ان طار إثر ذلك مستشار الرئيس الحريري الدكتور غطاس خوري إلى باريس على عجل ليقارب الاتصالات والاجتماعات الجارية هناك من قبل عرابي الحل الحكومي في لبنان.
أما النائب السابق وليد جنبلاط فقد عبر في تغريدته الأخيرة بوضوح عن إمكانية حلحلة الأمور وإزالة الصعوبات للانطلاق بمرحلة التأليف مذيلاً اياها بضرورة ووجوب التخلص من الحكومة الحالية بحسب تعبيره، والتي باتت تستعد للرحيل وتسليم المهام للحكومة الجديدة، تمهيداً للانطلاق بمسيرة الاصلاحاتت المنشودة إقليمياً ودولياً تحت بند الإصرار والتأكيد.
أما لماذا تسارعت هذه التطورات نحو الحلحلة ومن هي القوة الضاغطة التي دفعت بالرئيس الحريري للنزول عن أعلى الشجرة وتجرع السم مرّة جديدة كما وصف هو الأمر معتبراً ذلك بمثابة انتحار سياسي له، فبالتأكيد ان المحاور الإقليمية والدولية الضاغطة قد لعبت ولا تزال تلعب دورها تحت شعار دعم لبنان اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، فكان قصر الاليزيه في مقدمة أولئك الذين رسموا خريطة الطريق لحلحلة الوضع الحكومي المعقد في لبنان وذلك بالتعاون من وراء الستار مع كل من مصر وايران وروسيا وغيرها من الدول الفاعلة الأخرى.
أما بالنسبة للموقف الأميركي المنشغل حالياً بانتخاباته الرئاسية وانتشار فيروس كورونا بشكل مريع، فهو موقف متريث، حيث ان الإدارة الأميركية تتابع وتواكب مسار الأمور في لبنان لتبني عليها وفقاً لمصالحها كما وانها تكاد لا تكترث لما يجري على الساحة اللبنانية حالياً بانتظار ما ستؤول اليه الأوضاع في هذا البلد وبالتالي تساهم في خلط الأوراق من جديد لتحاكي الحلقة الأضعف في لبنان وتحقق مصالحها وفقاً لنظرتها للأمور، على أمل ان لا تساهم بتعطيل المبادرات الدولية الأخرى، وحينئذ تكمن الخطورة بفرملة الحلول والاتصالات الجارية ووضعها في ثلاجة الانتظار حتى اشعار آخر.
لكن ما يظهر جلياً حتى هذه اللحظة، فإنه يؤشر إلى ايجايبات جمة وعديدة تمّ التوصّل إليها من قبل الجهات الفاعلة إقليمياً ودولياً، وأبرز تلك الإيجابيات تجلى بمفاجأة الرئيس الحريري كما ردة الفعل أيضاً التي ظهرت بوضوح من خلال كلام نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي بعد انتهاء اجتماع اللجان المشتركة في عين التينة مما يوحي بالتفاؤل بنجاح المساعي ومسار تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان.
كل ذلك يُؤكّد بالتصريح أو التلميح من قبل الثنائي الشيعي بأن ما ورد في بيان الرئيس الحريري الأخير من شروط ومواقف سيُصار إلى تحويلها إلى طاولة الحوار المنتظر انطلاقتها في قصر بعبدا بعد تشكيل حكومة الرئيس أديب وهناك قد تجد لها حلولاً توافقية بين سائر الأطراف المعنية بغطاء إقليمي ودولي وعندها يمكن القول ان مفاجأة الرئيس الحريري أتت ثمارها وان الدخان الأبيض تصاعد من قصر بعبدا بدءا من لحظة إعلان حكومة الرئيس أديب للانطلاق بقطار الإصلاحات ومن ثم البدء بدعم لبنان على مختلف الصعد إقليمياً ودولياً.