Site icon IMLebanon

وفاة مريض “كورونا” بسبب انقطاع التهوئة والماء!

كتبت مريم مجدولين لحام في صحيفة “نداء الوطن”:

توفي معن مصطفى بكر (58 عاماً)، صباح الإثنين، من الحر والعطش في المستشفى الحكومي في طرابلس. ووجهت التسجيلات الصوتية إهمالاً طبياً جسيماً في التعامل مع حالته الصحية، إذ ناشد ابنه وزوجته وصديقه، عبر رسائل صوتية، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة قائلاً: “الكهرباء مقطوعة، الوضع مزعج في غرفتي، أنا ممنوع من فتح الباب أو النافذة، خمس ساعات أطالب “بالزحافة”… خمس ساعات أناشد “نقطة مي” ولا يأتي أحد… أرجوكم اتصلوا بمدير المستشفى ناصر عدرا.. أنا “شفت الموت”…!

أجهزة التنفس لم تتوقف رغم انقطاع الكهرباء، إلا أن التهوئة في الغرف تتوقف ما ان تتوقف “كهرباء الدولة” علماً بأن المستشفى مجهز بـ 4 مولدات كهرباء وأجهزة Ups كافية لتشغيل أجهزة التنفس في حالات الطوارئ ولكن غير كافية لتشغيل نظام التهوئة أو التكييف. ويبدو بوضوح لمن يسمع تسجيل المرحوم، أن ماكنة الاوكسيجين تعمل ويعرف من إستغاثاته أنه منزعج جداً من “الحر” والعطش و”التطنيش” في سجنه “الكوروني” المغلق.

ساعات النزاع الأخير

كي لا تتواتر محاولات البحث عن فرص تجيير “التقصير” الواضح جلياً في استغاثات المرحوم إلى شماعة “وباء كورونا” إختار أولاده اللجوء إلى الإعلام، لرواية قصة والدهم الذي قضى، ليس بالأزمة المعيشية التي تأخذ بخناقنا بل “بنقص الهواء والماء” و… انقطاع الكهرباء والتهوئة عن كل مرضى كورونا في مستشفى طرابلس الحكومي.

كانت الساعة الثامنة ليلاً، عندما اتصل المرحوم بابنه طارق، وقال له “لا تقلق من كورونا، صحتي ممتازة وتنفسي جيد لكنني عطشان”…”شوب كتير يا بابا، برضاي عليك إنقلني إلى مستشفى خاص” وروى طارق لـ”نداء الوطن” كيف تواصل مع وزارة الصحة مباشرةً لنقل ابيه إلى مستشفى خاص، فردت عليه الوزارة بعدها بأن عليه أن يُحضر “تقريراً طبياً” من مستشفى طرابلس لنقله… ويكمل: “وصلت بعد ربع ساعة إلى المستشفى وأبلغتهم أن أبي عطشان وأنني قد أحضرت صندوقاً من المياه له وأخذت تقريراً مختوماً من الدكتور خالد العويني يقول إن حالة أبي قد تحسنت بنسبة 95%… بعدها بساعتين، أبلغونا أن أبي في غرفة الإنعاش وأنه حُقن بإبرة منوم كي يتنفس جيداً وأنه يصارع الموت!”…. وأردف: “سألتهم هل شرب أبي، كان عطشاناً، وقد أحضرنا له المياه من عندنا وليس من الدولة، فقالوا لا، لكننا وضعنا له مصلاً… ما يؤرق نومي أن أبي مات عطشاناً، وأسمع صوته مراراً وتكراراً في رأسي وفي الرسائل الصوتية، وأندم لما لم أدخل حجره وأشربه بيدي”.

أضاف: “توفى أبي بعدها…اجتمع الحجر مع درجة حرارة عالية أصبحت شبيهة بالسونا، فعطش أبي، ولم يتم اسعافه بشربة ماء… وبدل أن تشخص حالة وفاة أبي بـ”فرط الحرارة” أي ارتفاع درجة حرارة الجسم نتيجة فشل تنظيم الحرارة، والذي يحدث عندما ينتج الجسم أو يمتص حرارة أكثر مما يمكن أن يفقده، وهي حالة صحية تدخل ضمن الطوارئ الطبية، وتتطلب علاجاً سريعاً لمنع حدوث مضاعفات قد تؤدي إلى الوفاة، يتم رد سبب الوفاة إلى كورونا. مع العلم أنه، وقبل إدخاله إلى الإنعاش بساعتين، أعطونا تقريراً بتحسن حالته الصحية بشكل كبير وأنه يمكننا نقله”.

بيان المستشفى يتضارب مع تقريرها

وفي ما يشبه استباقاً ذكياً لما حدث، أصدر المستشفى بياناً أوضح فيه “أن حالة المرحوم الصحية “قد استمرت في التدهور رغم كل العلاجات وجهاز التنفس الإصطناعي حتى توفي بـ 20 /9 /2020 بسبب قصور حاد في التنفس ناجم عن الإلتهاب الحاد في الرئتين الناجم عن العدوى بفيروس كورونا، وأن الكهرباء لم تنقطع عن أجهزة التنفس”، من دون التطرق إلى مسألة انقطاع التكييف والتهوئة أو العطش وإهمال طلبات المريض.

إلا أن بيانهم قد تعارض مع التقرير الطبي الذي أعطي للعائلة قبل ساعتين فقط من نقله إلى غرفة الإنعاش. وهو ما استغربه أولاده. فيسأل إبنه “إن كان وضع أبي متدهوراً لماذا أعطيتمونا تقريراً طبياً مختوماً أن صحته قد تحسنت بنسبة 95%! هل التقارير الطبية “غب الطلب” أم حقيقية؟ وبأي حق يقطعون التهوئة عن مرضى في صلب عوارض مرضهم ارتفاع الحرارة؟! وبما أنهم في فضاء مغلق، هل فعلاً يكفي وضع الأوكسيجين، في مكان مقفل لا يدخله هواء، ما هذا الموت البطيء؟ بمجرد التفكير في الأمر أشعر بضيق في التنفس”.

 

صوته هز طرابلس

في البدء لم يسمع طارق جميع مناشدات أبيه، ولم يدر في ذهنه سوى اتصاله الأخير به، ولكن بعد الدفن، تصفح “واتساب والده” فرأى أنه أرسل رسائل صوتية إلى صديقة وإلى والدته، ويقول “كنت أريد أن أسمع صوته مجدداً، كانت صحة أبي جيدة قبل كل هذا، لم أتوقع وفاته، حتى أن نهار نقله إلى المستشفى “نزل على الدرج” إلى الإسعاف، لأن الكهرباء كانت مقطوعة، دخل إلى قسم كورونا بتاريخ 13/9/2020 بسبب اصابته بمرض الكورونا وبعد أسبوع دفنته.. لم يكن أبي يشرب أو يدخن، أو يقوم بأي عادة تضعف جسده، صحته أفضل من صحتي. وأشعر أن أبي مات مقتولاً نتيجة للإهمال الطبي”.

وفيما جال صوت المرحوم معن بكر طرابلس في إطار البحث في لبنان عن دستور تائه عن التطبيق، وعن “عجيبة” تنقذ المواطنين والمرضى اللاحقين من “جهنم” حتمي، أو حتى عن مستشفيات آمنة… فقد هز طرابلس، وصارت تصل إلى العائلة المفجوعة قصص أخرى عن مرضى توفوا مسبقاً من الحر أيضاً، فهل من مجيب؟