كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
لا شكّ أنّ أياً من القوى السياسية لا يجرؤ على مواجهة تهمة عرقلة قيام الحكومة العتيدة… طالما أنّ “جهنم” بانتظارنا. صحيح أنّ جمهور مواقع التواصل الاجتماعي تفاعل بشكل تهكمي مع الوصف الذي استخدمه رئيس الجمهورية ميشال عون لتحديد مآلنا، لكنها فعلياً البليّة التي تضحك.
لم يعد الغرق مسألة أشهر، وإنما أسابيع معدودة وتصير “التايتانيك” في القعر. وها هو مصرف لبنان يستعد لرفع الدعم عن المواد الأساسية. فأهلاً وسهلاً بالمجاعة والانفجار الاجتماعي والفوضى الأمنية!
من قلب العتمة التي كانت تحيط بمشاورات التأليف، بعد رفض الثنائي الشيعي لأي نوع من أنواع المداورة، قرر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أن يخرج بطرح تسووي. ترك خلفه نادي رؤساء الحكومات السابقين ينفض أعضاؤه أيديهم من “السمّ” الذي قرر الحريري تجرعه لوحده، ومساندة رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب في البحث عن “وزير ملك” يرضي الثنائي الشيعي، ومن خلفه سلطة “الوصاية”، الادارة الفرنسية التي سارعت إلى الإشادة بخطوة الحريري، ما يؤكد أنّها تواصل ضغطها في اتجاه تفعيل مبادرتها.
عملياً، سواء أقرت الادارة الفرنسية باهتمامها بتفاصيل التأليف أم لم تقرّ، سواء أقحمت نفسها في مستنقع الأسماء أم بقيت بمنأى عن متاهة التعقيدات اللبنانية، فالوضع المزري أسقط زمام المبادرة من أيدي القوى السياسية، وبات الصراع حول الأسماء عبثياً وفيه شيء من البلاهة السياسية، لأنّ الجميع يدركون جيداً أنّ مهمة الحكومة محددة سواء كان وزراؤها من جنس الملائكة أم الشياطين، ولن يدخل يورو واحد الخزينة العامة إلّا اذا التزمت الحكومة الأجندة الفرنسية وشروطها. ولذا صارت بقية التفاصيل مجرد ديكور لبناني لا يغيّر في المضمون.
وما ينطبق على حقيبة المال، سيسري حكماً على بقية الحقائب المعنية مباشرة بالورشة الاصلاحية وبمشاريع “سيدر” اذا ما قدّر لها أن توضع موضع التنفيذ. فقد اضطرت فرنسا، بعدما عانت طوال سنوات مع الحكومات المتعاقبة لدفعها إلى الخيارات الاصلاحية ولكن من دون جدوى، إلى أن تنخرط بنفسها في الورشة، سواء أعطت موافقتها للأسماء المرشحة للحكومة أو لم تتدخل. في النهاية مصفاة القرار والتنفيذ سيكون عندها.
اذاً جديد التطورات خرج من بيت الوسط ليعلن على نحو واضح انضمام مصطفى أديب إلى المحور الأزرق ولو أنّ نشأته “ميقاتية”، إلّا أنّ المعطيات تفيد أنّ رئيس الحكومة المكلف بات في “حضن” الحريري، بدليل ما أتى بين سطور البيان المكتوب الذي استدعى ردّاً مباشراً من رئاسة الجمهورية التي عادت وذكرت رئيس الحكومة السابق: “الرئيس معنيّ بالمباشر بتشكيل الحكومة وإصدار مرسوم التشكيل بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلّف”. اذ إنّ الحريري قال في بيانه إنّه قرر مساعدة أديب “على ايجاد مخرج بتسمية وزير مالية مستقل من الطائفة الشيعية، يختاره هو، شأنه شأن سائر الوزراء”، مسقطاً بذلك أي دور لرئاسة الجمهورية.
وفق العونيين، يطرح بيان الحريري الكثير من علامات الاستفهام. بنظرهم، هو كشف القناع الموضوع على الحكومة العتيدة برئاستها ومكوناتها، حيث كان ينتظر أن تكون حكومة اختصاصيين واذ يتبيّن أنّ فريقاً واحداً يمسك بـ”ريموت كونترول” التحكم بها عن بُعد، الأمر الذي يثير النقزة ويغلّف مسار التأليف بالكثير من علامات التشكيك. ويشيرون إلى أنّ المخرج الذي طرحه الحريري بدا ضعيفاً ومجتزأً يطرح حلاً لأزمة المداورة لكنه لم يعالج أزمة الجهة التي ستتولى التسمية، على اعتبار أنّ الثنائي الشيعي يصر على الاحتفاظ بحقه في التسمية فيما كلام الحريري يوحي بأنّ رئيس الحكومة المكلف هو من سيتولى هذه المهمة. أما السؤال الأهم بالنسبة للعونيين فهو: لنفترض أنّ “سمّ” الحريري ساهم في حلّ مشكلة وزير المال، وتمّ التفاهم على الاسم، فكيف ستحسم بقية الأسماء، الدرزية مثلاً أو المسيحية؟ هل سيتولى الحريري هذه المهمة؟ من سيصدق أنّ رئيس الحكومة المكلف هو الذي يتولى التسميات؟
ويبقى السؤال: كيف ستتصرف الرئاسة الأولى مع أي مسودة سيضعها أديب على طاولة الرئيس؟ يجيب العونيون: “لما نوصل ليها منصلي عليها!”. بالمبدأ، تصرّ الرئاسة الأولى على تسهيل مهمة أديب. ولكن حين تصل الأمور إلى التفاصيل يخشى أن تطل الشياطين برؤوسها.