سريعا، التقط البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أهم إشارات انقاذ لبنان الصادرة سواء من المبادرة الفرنسية أو من الصورة السياسية المحلية. ذلك أن السلطة الدينية المسيحية الأعلى في البلاد، وبعدما جاهرت مرارا وتكرارا بتأييدها للثورة ومطالبها، رفعت سقف المواجهة الكلامية مع أركان الحكم، اعتبارا من الخامس من تموز الفائت، حيث طالب البطريرك الراعي علنا بتكريس حياد لبنان عن صراعات المنطقة.
وفي السياق، ذكّرت مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية” أن رفع السقوف هذا من جانب البطريرك الراعي أتى بعدما فجر الرئيس ميشال سليمان قنبلة التمسك بإعلان بعبدا وتحييد لبنان عن الصراعات، في قصر بعبدا في 25 حزيران الفائت، ذاهبا إلى حد اتهام حزب الله بنقض التزامه بإعلان بعبدا للمشاركة في القتال في سوريا إلى جانب قوات النظام.
على أي حال، فإن المصادر نفسها أشارت إلى أن هذا التناغم بين الراعي وسليمان والتقاءهما على ضرورة تكريس الحياد، بوصفه المخرج الوحيد للأزمة اللبنانية كلف بكركي اتهامات بالتخوين والقفز المتعمد فوق المسلمات اللبنانية بينها مساندة القضية الفلسطينية، دافعا سيد الصرح إلى تأكيد أن الحياد الذي ينادي به لا يسري على الصراع العربي- الاسرائيلي، وهو ما كان إعلان بعبدا قد عبر عنه بوضوح أيضا. غير أن الأهم في رأي المصادر يكمن في أن بكركي ذهبت أبعد من الحياد، إلى حد الدعوة إلى تصحيح مسار سياسة لبنان الخارجية، ونزع السلاح غير الشرعي، ومواجهة نفوذ الدويلة، معتبرة أن بكركي ملأت بهذه المواقف فراغا مرعبا تركته السلطة الغارقة في الحسابات التحاصصية.
وفيما لم تحرك القوى المعنية ساكنا، دعا البطريرك الراعي إلى تضمين البيان الوزاري نقطة الحياد، ما يعني دق مسمار جديد في نعش العلاقة المقطوعة مع حزب الله, لكن هذه الصورة تبدو محفوفة بالمخاطر السياسية، خصوصا أنها تأتي في وقت يسجل فيه محور الممانعة خسائر كبيرة في الاقليم، في زمن التطبيع العربي الموسع مع اسرائيل، وهو ما قد يحمله على خوض المواجهة المفتوحة مع الراعي وسواه من مؤيدي الحياد. كل هذا يستدعي التفافا وطنيا وسياسيا شاملا حول البطريرك ودعوته إلى الحياد، كي لا يخسر معارضو سلاح حزب الله معركة انتصار الدولة على الدويلة لمجرد اختلال موازين القوى السياسية في بلد التوازنات الهشة”.