كتب رضوان مرتضى في “الاخبار”:
كان الخبراء الفرنسيون أول المحققين الغربيين الذين وصلوا إلى مرفأ بيروت بعد تفجير 4 آب الماضي. أتوا بعد يومين على وقوع الجريمة، بطلب من المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات. وبعد نحو 10 أيام، انضمّ إليهم محققون بريطانيون، ثم آخرون من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (FBI)، بناءً على موافقة رئيس الجمهورية ميشال عون. حصلت «الأخبار» على خلاصة محاضر اجتماعات الأميركيين مع محققين لبنانيين. أبرز ما فيها أن «الاجانب» لم يقدّموا إضافة كبيرة إلى التحقيق، مكتفين بتأييد الخلاصات التي توصل إليها المحققون اللبنانيون
لم يتسلٌّم المحقق العدلي في تفجير المرفأ، القاضي فادي صوّان، بعد، تقارير الخبراء الفرنسيين والبريطانيين والأميركيين الذي أتوا إلى لبنان للمساعدة في التحقيق في انفجار محتويات العنبر الرقم 12 في مرفأ بيروت يوم 4 آب 2020. أنهى المحققون الغربيون ما جاؤوا من أجله ثمّ غادروا. أبلغوا القضاء والأجهزة الأمنية بتقديرات وخلاصات أولية لمعاينتهم مسرح الجريمة، واعدين بتقارير تفصيلية يُرتقب صدورها في غضون أسابيع. وقد حدّدوا مدة شهرين منذ مغادرتهم التي تمت قبل نحو أسبوعين. حصلت «الأخبار» على خلاصة محاضر الاجتماعات التي عقدها خبراء من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي مع أحد الأجهزة الأمنية اللبنانية. أحد الاجتماعات ضمّ خبراء متفجرات في فرع المعلومات وعضو فريق الـFBI، خبير المتفجرات كريستوفر ريغوبولوس، ترافقه مسؤولة مكتب الـ FBI في السفارة الأميركية في بيروت. وعُقد اجتماعٌ ثانٍ بحضور عضو آخر في فريق مكتب التحقيقات الفيدرالية.
خلاصات المحاضر التي حصلت عليها «الأخبار» لا تكشف مساهمة كبيرة من الـ«FBI» في التحقيقات، بقدر ما أن المحققين الأميركيين وافقوا على الخلاصات التي توصل لها المحققون اللبنانيون، كما على استنتاجاتهم. في اللقاءين، اعتبر ريغوبولوس أنّ موقع إهراءات القمح تكفّل بحماية نصف بيروت من الدمار، لكونها شكّلت ساتراً ارتدّ عصف الانفجار عليه. واستدلّ على ذلك من كون شعاع الدمار خلف الإهراءات أقل بكثير من الشعاع في باقي الاتجاهات. وأبلغ الخبير الأميركي الضباط اللبنانيين أنّه اتصل بالمكتب المركزي في الولايات المتحدة الأميركية حيث يُجري زملاؤه دراسات بيّنت وجود مواد مشتعلة كفيول تُضاف إلى نيترات الأمونيوم لتحوّلها إلى (Ammonium Nitrate Fuel Oil) الأشدّ انفجاراً. وردّاً على سؤال الضباط اللبنانيين عن تقديره لقوة الانفجار لتحديد كمية المواد التي انفجرت إذا ما كانت ٢٧٥٥ طنّاً فعلياً، أجاب بأنّ الاعتقاد السائد عن أنّ نيترات الأمونيوم لا تنفجر من دون مواد أخرى تضاف إليها هو اعتقاد خاطئ. عندها سُئل عن قدرة المفرقعات على تشكيل موجة الصدم الأولية استناداً إلى معطيات فنية تُفيد بأنّ المفرقعات المكدّسة تُحدث موجة صدم شبيهة بمتفجرات RDX، فأجاب بأنّ ذلك صحيح، كاشفاً أنّ مادة الـ Flash powder التي تدخل في تركيب المفرقعات النارية تُحدث هذه الموجة الكافية لتفجير نيترات الأمونيوم في حالتها الخام. واعتبر أنّ تكديس النيترات يؤدي إلى انفجارها بشكل كُلّي. وتحدث الخبير الأميركي عن تفجير «أوكلاهوما سيتي» الذي استعملت فيه متفجرات من مادة ANFO (نيترات الأمونيوم مع فيول) ووضعت العبوة بطريقة ممددة، كما عن الأضرار التي أحدثتها، معتبراً أنّها شبيهة بطريقة تمدد نيترات الأمونيوم في العنبر الرقم 12. ورأى أن موجة العصف الصدمية الناتجة عن الانفجار صدرت بطريقة متقطعة، الأمر الذي يفسر التواء المعادن من جراء موجة العصف.
أثناء الاجتماع، قدّم الضباط اللبنانيون شرحاً تفصيلياً لتسلسل الأحداث بداية أعمال الصيانة من تلحيم للأبواب إلى الانتهاء ومغادرة العمال، ثم تلقي فوج الإطفاء البلاغ عن وجود حريق داخل العنبر ووصولهم الى المرفأ وقيامهم بفتح باب العنبر ما سبّب اشتداد النيران عن طريق دخول كميات كبيرة من مادة الأوكسجين، وصولاً الى حصول الانفجار. وعُززت الراوية المقدمة بصور وفيديوات متداولة في حينه.
وافق ريغوبولوس على تسلسل الأحداث، وربطها بانبعاثات الدخان التي تظهر في الفيديوات المتداولة للانفجار. ولدى سؤاله عن منطق تسلسل أعمال الصيانة والتلحيم، ثم اندلاع الحريق وصولاً الى الانفجار، وعمّا إذا كانت الفكرة سليمة أو لا، أجاب الخبير الأميركي بأنّ هذا هو «المنطق الوحيد» لتفسير الأحداث وأسباب حصول الانفجار. وذكر أنّ الانفجار الأولي ناتج عن تدفق الأوكسجين من الهواء الى داخل العنبر، ما أدى الى اشتداد النيران بشكل كبير وحدوث انفجار. وأشار التقرير إلى أنّ ذلك يظهر جلياً في ازدياد تصاعد الدخان بعد أن كان الحريق يختنق بسبب نقص الأوكسجين. وذكر أنّ اشتداد الحريق وازدياد الضغط الناتج عنه وارتفاع درجة الحرارة أدت الى تكوين موجة الصدم التي فجّرت نيترات الأمونيوم. وقام الخبير الأميركي بشرح مفعول العصف أو الدفع الناتج عن انفجار نيترات الأمونيوم، ما أدى إلى انقلاب جدران ضخمة من الباطون المسلح على مسافة تتعدى الـ500 متر تقريباً. ورأى أن المتفجرات الحاطمة كانت لتؤدي الى تهدم الجدران وتحطمها.
ثم تطرق إلى إفادات مواطنين عن العثور على قطع معدنية ظناً منهم أنها أجزاء من صواريخ وذخائر عسكرية، إلا أنّه تبين بعد الكشف عليها من قبل مكتب المتفجرات في الشرطة القضائية أنها كتل معدنية متطايرة من جسم العنبر الرقم 12. وردّاً على سؤال ضباط فرع المعلومات للخبير الأميركي بشأن تحليل المحققين اللبنانيين للانفجار، أجاب بأنها صائبة وتتوافق مع مشاهداته وتحليلاته بشكل كبير. غير أنّ ريغوبولوس رأى أنّ فريق «FBI» لا يزال يقوم بالدراسات والتقييمات لتحديد كمية المواد التي انفجرت، ولا سيما أنّهم لم يجزموا بإمكانية تحديد إذا ما كان ثمة قسم من نيترات الامونيوم التي كانت في العنبر الرقم 12 في المرفأ قد احترقت أو تناثرت في الهواء بفعل عصف الانفجار، حيث أجابوا بأنه يصعب الجزم، لكنهم لا يعتقدون بأنّ الكمية كانت موجودة كاملة. وأعرب الوفد الأميركي عن اعتقاده بداية بأن العنبر لا يتّسع لكمية ٢٧٥٥ طناً من نيترات الأمونيوم، لكنه عاد ليلفت إلى أنّ أكياس النيترات، وفي حال كانت موضوعة بعضها فوق البعض الآخر كما في الصور المتداولة، فإنّ كمية النيترات المذكورة يمكن أن تتسع في مساحة لا تتعدى ثلث العنبر. كذلك تباحث الضباط اللبنانيون والمحققون الأميركيون في ما توصلت إليه التحقيقات والمشاهدات حول باقي المواد الموجودة داخل العنبر من الميثانول والمفرقعات النارية والإطارات وغيرها. وجرى التطرق إلى أكياس نيترات الأمونيوم ذات حمولة الخمسين كيلوغراماً التي عُثِرَ عليها في موقع الانفجار، فرجّح ريغوبولوس إمكانية أن تكون مخزنة في عنبر آخر ثم تطايرت الى قرب نقطة الانفجار نتيجة الموجة السلبية التالية للانفجار، وذلك لأنها لا تزال سليمة وغير ممزقة بالكامل، وثمة احتمال ضئيل بحدوث ذلك إذا كانت مخزنة في العنبر الرقم 12.
وفي اللقاء الأخير، ذكر الخبراء الأميركيون أنهم في صدد إعداد مشروع بحثي لاستخدامه كمرجع لحوادث كهذه في المستقبل بعد نيل الموافقة من واشنطن.
1844 قتيلاً حول العالم بانفجارات نيترات الأمونيوم
سُجّلت عشرات الحوادث الكارثية تسببت فيها نيترات الأمونيوم في أنحاء مختلفة من العالم، أدت إلى مقتل ١٨٤٤ شخصاً، في غضون 104 سنوات. في نيسان ١٩١٦ هزّ انفجارٌ ضخم بلدة فاڤرشام البريطانية متسبباً في مقتل ١٢٠ شخصاً من جراء وقوع حريق تسبب في انفجار ١٥٠ طناً من نيترات الأمونيوم. وفي آب عام ١٩١٨، دوّى انفجارٌ ضخم في مستودع يحوي ٤ آلاف طن من نيترات الأمونيوم في نيوجرسي الأميركية، لكنه لم يُسفر عن سقوط ضحايا واقتصرت الخسائر على الممتلكات. وفي ٢٦ تموز ١٩٢١، قُتل ١٩ شخصاً في كريوالد في ألمانيا من جراء انفجار ٣٠ طناً من نيترات الأمونيوم. كما قُتِلَ ٥٦١ شخصاً من جراء انفجار ٤٥٠٠ طن من نيترات الأمونيوم في بلدة أوباو الألمانية في أيلول من العام نفسه. كذلك قُتل ١٨٩ شخصاً في نيسان عام ١٩٤٢ من جراء انفجار ١٥٠ طناً من نيترات الأمونيوم في تيسندرلو في بلجيكا. وفي عام ١٩٤٧ في الولايات المتحدة، احترقت سفينة تحمل ٢١٠٠ طنّ من نيترات الأمونيوم لتتسبب في انفجار ضخم راح ضحيته ٥٨١ شخصاً في ولاية تكساس. وقد أحدث هذا التفجير ما يُشبه هزة أرضية حيث وصلت الأضرار إلى مدى 64 كيلومتراً. وفي العام نفسه قُتل ٢٩ شخصاً في بريست الفرنسية حيث انفجرت سفينة تحمل ٣٣٠ طناً من نيترات الأمونيوم.
كذلك وقع حادث في الولايات المتحدة الأميركية نجم عن انفجار شاحنة محملة بنيترات الأمونيوم ما تسبَّب في مقتل ١٤ شخصاً في روزبرغ في أوريغون. وفي العام ١٩٨٨ دوى انفجار كبير في ولاية كنساس الأميركية من جراء انفجار نيترات الأمونيوم متسبّباً في مقتل ٦ أشخاص. وفي العام ١٩٩٤، قُتل ١٤ شخصاً من جراء انفجار عدة أطنان من نيترات الأمونيوم في غينيا الجديدة. كما قُتل في العام نفسه ٤ أشخاص في أميركا من جراء انفجار كمية من نيترات الأمونيوم في أحد المرافئ الأميركية. كما قُتل ٢٢ شخصاً من جراء انفجار ٢٢ طناً من نيترات الأمونيوم في شينغ بينغ في الصين. وفي تولوز الفرنسية، قُتل ٣١ شخصاً من جراء انفجار نحو ٣٠٠ طن من نيترات الأمونيوم عام 2001. كذلك وقع انفجاران في إسبانيا من جراء نيترات الأمونيوم، أحدهما لم يتسبّب في سقوط ضحايا، فيما قُتل شخصان في الانفجار الثاني. وفي العام ٢٠٠٤، سُجلت حادثتان من النوع نفسه. فقد سقط في رومانيا ١٨ شخصاً في انفجار عشرين طناً من المواد نفسها. كما قُتل ١٦٢ شخصاً في كوريا الشمالية. وفي العام ٢٠٠٧، قتل ٤٠ شخصاً في المكسيك في حادث انفجار نيترات الأمونيوم. كما قُتل ١٥ شخصاً من جراء حريق تسبّب في انفجار مخزن لنيترات الأمونيوم في غرب تكساس الأميركية.
هذه المعلومات وردت في دراسة أرفقتها «شركة بارودي للمحاماة» في مراسلتها إلى مدير عام النقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي بعد أربعة أشهر على رسوّ سفينة روسوس في مرفأ بيروت (2013)، محمّلة بـ2700 طن من نيترات الأمونيوم، وذلك للتحذير من خطورة هذه المادة والحوادث الكارثية التي تسبّبت فيها في عدد من دول العالم في القرن الماضي.