كتبت مريم سيف الدين في “نداء الوطن”:
لطالما شكا طلاب الجامعة اللبنانية من فقر حالها ونقص تجهيزاتها. ولسنوات سبقت الانهيار المالي عانوا من نقص المعدات في المختبرات، ومن سوء تجهيز الكثير من القاعات، وحال الأبنية المهترئة وغيرها من المشاكل. وتنذر الأزمة المالية التي تشتدّ يوماً بعد يوم، بعام دراسي قاسٍ جداً سيواجهه الصرح الأكاديمي الأكبر في لبنان، والذي من المتوقع أن ينتقل إليه آلاف الطلاب من الجامعات الخاصة. ومن المرجح أن تصل الأزمة للحبر والورق حتى، وهو ما حصل في بعض الكليات منذ أسابيع.
وإن بقيت ميزانية الجامعة على حالها بالليرة، إلا أنها تراجعت فعلياً بالدولار. ووفق رئيس الهيئة التنفيذية في رابطة الأساتذة المتفرغين، الدكتور يوسف ضاهر، فإن الميزانية كانت تساوي نحو 250 مليون دولار وباتت اليوم أقل من 50 مليوناً، وقد تتراجع أكثر إن ارتفع سعر الصرف، “باتت بالكاد تساوي موازنة مدرسة”، يقول ضاهر لـ”نداء الوطن”. يلفت الأستاذ الذي لطالما نادى برفع ميزانية الجامعة، إلى العائق الذي يشكله فساد الإدارة اللبنانية وكذلك البيروقراطية، واللذان يقفان عائقاً أمام رغبة الدول بمساعدة طلاب الجامعة لإكمال تعليمهم.
وبعيداً من القنوات الرسمية التي تتطلب معاملات وتحتاج إلى الكثير من الوقت، وقد تمرّ عبر أيادٍ غير شفافة، تمكن ضاهر بالتعاون مع شقيقه المقيم في فرنسا من تأمين 300 لوح ذكي ستوزعها الرابطة على 12 فرعاً في الجامعة. أي بمعدل 25 لوحاً ذكياً لكل فرع، على أن تتوزع على الطلاب الأكثر حاجة، وسيشترط عليهم إعادتها بعد الانتهاء من استعمالها ليتمكن غيرهم من الاستفادة منها.
تؤكد هذه التجربة لضاهر أنه لو بذلت الدولة أو الوزارة أو الجامعة الجهد الكافي لتمكنت من تأمين مساعدات، “فالدول مستعدة للتبرع، لكن شرط الشفافية، هم لا يريدون أن تذهب المساعدات لغير مستحقيها”. وانطلاقاً مما ذكر يرى ضاهر أن أفضل الطرق لتأمين مساعدات للجامعة وايصالها لمستحقيها بأسرع وقت، تكمن بالتعامل مع الرابطة وكأنها مؤسسة خاصة، حيث يسهل على الرابطة استلام المساعدات وتوزيعها. ويروي أن بعض الأساتذة تجرأوا على مخالفة القانون من أجل مساعدة بعض الطلاب للتمكن من التعلم عن بعد، حيث قام أحد المدراء بإعارة حواسيب مخصصة للكلية لبعض الطلاب كي يدرسوا.
تتخوف الرابطة اليوم من أن يحرم الواقع الاقتصادي قسماً كبيراً من الطلاب من حقهم بالتعلم، إذ قد يؤدي إلى حرمان بين 30 و40 في المائة من الشبان والشابات من حقهم بالتعليم، وفق تقديرات ضاهر. وهو ما ستظهر تبعاته بعد أربع أو خمس سنوات. وفي حين يرى البعض في قرار التعليم عن بعد خطوة انقاذية للحد من مصاريف الجامعة، يلفت ضاهر إلى الكلفة التي يتحملها الطلاب، وقد يحرم بعضهم من التعلم لعدم قدرتهم على تأمين حاسوب ودفع كلفة الانترنت.
ويكشف رئيس الهيئة التنفيذية في رابطة الأساتذة المتفرغين أنه طلب من المسؤولين إعلان حال طوارئ وطنية لمواكبة الطلاب، في وقت تشير فيه تقديرات الرابطة الى أن عدد طلاب اللبنانية سيرتفع إلى نحو 120 ألفاً، يجب استيعابهم جميعاً. ويؤكد ضاهر، أنهم اجتمعوا منذ مدة بوزير المالية غازي وزني، وشرحوا له حال الجامعة التي يعتبرونها ركناً من أركان الوطن يفوق الجيش أهمية، “لكننا كمن يبكي أمام من يريد البكاء”.
ومع بداية التسجيل في العام الجامعي الجديد، بدأت معاناة بعض الطلاب في تأمين رسم التسجيل، وإن بدا رمزياً. وفي ظل إهمال السلطة لهؤلاء، بادر الطالب هادي فرحات ومجموعة من رفاقه الى إطلاق حملة تهدف لجمع مبالغ مالية من أجل تأمين كلفة التسجيل لمن يعجز عن تأمينها. لا يمكن لفرحات تقدير عدد الطلاب المحتاجين إلى المساعدة حتى الآن، إذ إن العدد مرجح للارتفاع مع اقتراب مواعيد انتهاء مهل التسجيل. كما يجري تعديل الاستمارة التي على أساسها يحدد فرحات ورفاقه الطلاب الأكثر حاجة وحجم المساعدة. ويدرك الطالب حال بعض زملائه وحاجاتهم من خلال عمله في حملة “الناس الطيبة” التي توزع حصصاً غذائية على هؤلاء. ووفق فرحات بلغ عدد الطلاب الذين يحتاجون للمساعدة 89 طالباً في كلية العلوم وحدها، ومن دون احتساب طلاب الماجستير. وقد تجاوب مع الحملة بعض الأساتذة وعدد من الطلاب الذين حاولوا المساهمة قدر المستطاع وإن بخمسة أو عشرة آلاف ليرة.