كتبت فاتن الحاج في “الاخبار”:
لم تنشر وزارة التربية قرارات اتخذت بحق الجامعات المخالفة والمزوّرة في عهد الوزير أكرم شهيب بغية منع استمرار تضليل الطلاب. بعض أعضاء مجلس التعليم العالي يشكّكون في تنفيذ هذه القرارات بدليل استمرار بعض الجامعات في الاعلان عن اختصاصاتها، ويتحدثون عن نية مبيّتة لتسوية مخالفات الجامعات رغم العيوب الأكاديمية التي تعتري عملها.
انفجار التعليم العالي في أي وقت لن يقلّ خطورة عن انفجار مرفأ بيروت. هذا ما يحذّر منه عدد من أعضاء مجلس التعليم العالي مع استمرار التكاثر المرضيّ لجامعات – دكاكين لا تنفك تتوسع في المناطق على أيدي رجال أعمال لأهداف ربحية وتحت غطاء سياسي. اليوم، لا يعرف أي من هؤلاء الأعضاء ماذا حلّ بقرارات «إصلاحية» اتخذها المجلس أثناء ولاية وزير التربية السابق أكرم شهيب بحق جامعات مخالفة ومزوّرة «لا تزال تتفلت من المحاسبة حتى اليوم»، من إقفال فروع واختصاصات غير مرخصة وفرض غرامات وفرض التوقف عن استقبال طلاب ومنع استخدام أسماء غير مبررة. بعد مراسلة السفارات المعنيّة لمعرفة ما إذا كانت للجامعات صلات بها، أم أن تسميات مثل «الأميركية» و«الألمانية» و«الكندية» وغيرها لا تتجاوز التسويق التجاري وانتحال الصفة. فهل نُفّذت القرارات أم لا؟ وإذا نُفّذت لماذا لا تُنشر على الموقع الإلكتروني للمديرية العامة للتعليم العالي لمنع أي استغلال جديد للطلاب؟ وما صحة الكلام عن تسوية مخالفات بعض الجامعات؟
فجأة، توقف المسار، بحسب عضو المجلس عبد الحسن الحسيني، وجرى شلّ مجلس التعليم العالي واللجنة الفنية التي تدرس ملفات الترخيص والمباشرة بالتدريس. و«خلال ولايته، لم يدعُ وزير التربية طارق المجذوب المجلس للانعقاد سوى مرتين خلال 6 أشهر، كما أن اللجنة الفنية لم تجتمع أبداً خلال هذه الفترة».
وكان ملف الجامعات الخاصة وفروعها دخل، خلال ولاية شهيب، مرحلة جديدة من التنظيم والمتابعة والتدقيق، لا سيما بعد انكشاف فضيحة بيع الشهادات المزوّرة لمدنيين وعسكريين، في تموز 2018. وبحسب الحسيني، قُسّمت الجامعات إلى مجموعات يضم كل منها 10 جامعات، وشُكلت لجان فرعية نفّذت زيارات ميدانية للفروع وأعدت تقارير مفصّلة بشأن نقاط القوة والضعف في كل منها ورفعتها إلى مجلس التعليم العالي لأخذ القرارات.
الحسيني مقتنع بأنّ «كل الفروع مشكوك في قدراتها الأكاديمية، وهو ما يفسّر كيف تختار هذه الفروع الاختصاصات المتجانسة نفسها، والتي لا تحتاج إلى كادر تعليمي عالي المستوى ومختبرات وتجهيزات مكلفة، مثل علوم الكومبيوتر أو إدارة الأعمال». وأشار إلى ثغرة في قانون التعليم العالي 285 /2014 الذي أجاز لشخص معنوي بالحصول على الرخصة، «فجرى استغلال هذه النقطة. وبات المقتدرون مادياً من شركات تجارية وعائلات يستخدمون اسم الجامعة لقاء أموال تُدفع على كل طالب، أو على كل راس». ورأى الحسيني أن «المشكلة هي في السياسة ودور الوزراء المتعاقبين، وفي الإدارة أيضاً. إذ إنّ أمانة السر في المديرية العامة للتعليم العالي غير مؤهّلة لإدارة عمل بهذا الحجم بدليل أنها لا تقوم بأبسط واجباتها مثل تزويد أعضاء مجلس التعليم العالي بمحاضر عن الجلسات. والمشكلة الثالثة هي في الناس الذين يختارون الجامعات غير المرخصة عن سابق تصور وتصميم، في إطار استسهال الحصول على الشهادة من جامعات لا تضع شروطاً مشددة للانتساب إليها».
لكن اللافت ما قاله الحسيني عن أن عشرات الاختصاصات التي افتتحتها جامعات «عريقة»، حصلت على تراخيص شفهية بالمباشرة بالتدريس من المدير العام السابق أحمد الجمال لتُجرى لها تسويات في ما بعد، وفي ذلك تجاوز لصلاحيات المدير العام! «والأغرب إرسال الجامعات – الدكاكين الطلاب لابتزاز وزارة التربية والضغط عليها لمعادلة الشهادات».
أما دعوة مجلس التعليم العالي لإقرار التسويات للجامعات المخالفة التي انتهكت الأنظمة والقوانين وأطاحت نوعية التعليم، فترقى، بحسب الحسيني، إلى مستوى الجريمة. لذلك، «لا يجب إجراء أي تسوية للجامعات ولا حتى لطلاب الدراسات العليا من ماجستير ودكتوراه».
عضو المجلس رئيس جامعة الروح القدس – الكسليك الأب جورج حبيقة قال إن الدولة «مطالبة بآلية لتنفيذ القرارات التي اتخذها مجلس التعليم العالي بعيداً عن التوازنات السياسية والحزبية والصداقات والمعارف، وتداركاً لأي انفجار»، موضحاً أن تسوية المخالفات «لا ينبغي أن تتجاوز المراعاة الإنسانية لطلاب غُرّر بهم، فيما لا يجب أن يكون هناك نقاش بشأن القرارات المتعلقة بإقفال الفروع أو الاختصاصات غير المرخصة مثلاً».
بالنسبة إلى أحد أعضاء اللجنة الفنية، «الوضع مزرٍ والحل بتعيين مدير عام أصيل للتعليم العالي»، مشيراً إلى أن القرارات لا تزال في درج المدير العام بالتكليف (المدير العام للتربية فادي يرق) الذي «ليس لديه وقت للتفرغ لملف التعليم العالي وليس متحمّساً للموضوع». ولفت إلى أنّ اللجان الرديفة التي شُكّلت أيام شهيب، إلى جانب اللجنة الفنية، لم تكن قانونية مثل لجنة الطوارئ وغيرها. وأشار إلى أن اللجنة الفنية رفضت تجديد الترخيص لأحد المعاهد الجامعية الذي يتعاون مع الدولة الفرنسية ويترأسه فخرياً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إلّا أن وزير التربية السابق مروان حمادة وافق على التجديد».
المستشار السابق للوزير شهيب لشؤون التعليم العالي وليد صافي أوضح «أننا نرفض أي تجاوز للجنة الفنية الأكاديمية، وتشكيل اللجان الرديفة كان لمواكبة العمل، ولجنة الطوارئ هي التي قامت بالزيارات الميدانية إلى الجامعات للتدقيق في ملفاتها»، لكن هذا المسار توقف، واليوم تسود حالة فوضى وضياع في هذا القطاع في ظل غياب الإرادة السياسية لاستكمال الإصلاح، باستثناء مطبخ التسويات لبعض الجامعات الذي يضغط باتجاه عدم إقفال فروعها واختصاصاتها غير المرخصة، علماً بأنّ هذه الفروع أنشئت خلافاً لقانون التعليم العالي 285 /2014. صافي استغرب السرية في التعاطي مع القرارات بحق الجامعات. إذ إن هذه المعلومات يجب أن تُنشر، عملاً بقانون حق الوصول إلى المعلومات. وحذّر من التلاعب باختصاصات مثل الهندسة والطب من دون الوقوف عند رأي نقيبَي المهندسين والأطباء، في ما خص الظروف المهنية ودراسة سوق العمل المحلي والإقليمي.