كتبت ميسم رزق في “الاخبار”:
بينما أصبَح إتفاق الإطار على مفاوضات ترسيم الحدود الجنوبية، البرّية والبحرية، ناجزاً، بانتظار زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر، بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ يومين نقل معلومات عن مسؤولين في كيان العدو وتقارير تتحدث عن إنطلاق المحادثات (غير المباشرة) بين الجانبين منتصف تشرين الأول. وبذلِك، يكون لبنان قد دخلَ عملياً معركة استرجاع حقوقه البحرية والبرية كاملة وتثبيتها برعاية دولية. غيرَ أن التطورات في الساحة الداخلية، تحديداً ما يتعلق بفشل مساعي تشكيل حكومة جديدة واعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب عن عدم القيام بهذه المهمة، دفعَ البعض الى السؤال عن إمكانية أن يؤثر هذه الأمر على عملية التفاوض. خاصة أن الإتفاق على الإطار التفاوضي، وفورَ الإعلان عنه، سيُسلّم رئيس مجلس النواب نسخة منه الى الحكومة والى رئيس الجمهورية، على أن يصير الملف بكامله في عهدتهما للمتابعة، إذ ستتولّى قيادة الجيش رفع التقارير إليهما. فهل سيؤدي تأخير تشكيل حكومة جديدة الى تأخير انطلاق عملية التفاوض، أم سيضغط هذا الملف من أجل التسريع في عملية التشكيل؟
بداية، علمت «الأخبار» أن شينكر أبلَغ المعنيين بأنه سيزور لبنان الشهر المقبل، وهذا ما يفسّر تحديد الإعلام الإسرائيلي لموعد انطلاق المفاوضات. وهذا يعني بحسب مصادر معنية بالملف – وبالربط بينَ اتصال شينكر وتسريب الإعلام الإسرائيلي – أن الموفد الأميركي آتٍ للإتفاق على موعد لإعلان اتفاق الإطار والمباشرة بالمباحثات في مقر الأمم المتحدة في الناقورة. لا يُشكّل غياب حكومة جديدة بحسب المصادر، عائقاً في وجه عملية التفاوض. فما سيحصل هو «امتداد للجنة تفاهم نيسان 1996 وللاجتماعات الثلاثية المتعلقة بالخروق البرية، والتي تجتمع دورياً في الناقورة (الجيش اللبناني واليونيفيل وجيش العدو)، وهذه اللجنة استمر عملها طيلة السنوات الماضية ولم تتأثر حتى حين كانت البلاد تعاني من فراغ أو في ظل حكومات تصريف الأعمال».
وبالنسبة إلى المصادر، فإن الأمور في لبنان تسير وفقاً لتفسيرات واجتهادات البعض أو وفقَ ما يفرضه منطق الأحداث، وبالتالي فإن القرارات تُتخذ وفقَ «التيسير». لكن، هناك أمثلة كثيرة على أن «حكومات تصريف الأعمال يُمكنها أن تجتمع لاتخاذ قرارات مهمة»، ومن الشواهد على ذلِك، حكومة أمين الحافظ التي صدرت مراسيمها في 25 نيسان 1973، وأعلنت حالة الطوارئ في شهر أيار، قبلَ نيلها الثقة في مجلس النواب. وبناء عليه، وفي حال كانَ هناك طارئ في ملف الترسيم، فبإمكان مجلس الوزراء الإجتماع واتخاذ موقف.
بينما يقول رأي دستوري آخر، ان حكومات تصريف الأعمال عادة ما تمرر الأمور الملحة التي لا ترتب أعباءً على الخزينة، غيرَ أن «دورها مرتبط بالمرحلة التي ستصلِ اليها المفاوضات». فهناك أمور «تقنية تتعلق بخرائط ونقاط، قد لا تحتاج الى قرار وزاري»، وبالتالي فإن «هذه المحادثات في المرحلة الأولى يُمكن حصرها بقيادة الجيش التي ترفع التقارير الى مجلس الوزراء وإلى رئاسة الجمهورية».
وهذا الرأي يشرح بأن الصلاحيات بشأن الترسيم تتوزع بين السلطات الثلاث في البلاد، بحسب المادة 52 من الدستور والتي تقول بأن يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة الا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. اما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة فلا يمكن إبرامها الا بعد موافقة مجلس النواب. وبحسب هذه المادة، فإن كل مرحلة من مراحل التفاوض هي التي تفرض في عهدة من سيكون الملف. وعليه، فإن غياب الحكومة، أو وجود حكومة تصريف أعمال حالياً لن يؤثر على موعد انطلاق المحادثات «التي من المرجح أن تبدأ في تشرين الأول المقبل في حال التزمت واشنطن وتل أبيب»، كما أن «هذا المسار يُمكن أن يستمر لسنوات من دون الوصول الى اتفاق أو للوصول الى حلّ، والى حينها تكون الحكومة قد شُكلت».