لن تنفع فريق اهل الممانعة في لبنان، بأجنحته السياسية وماكيناته الاعلامية، محاولةُ تسويق رواية “استسلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للضغوط الاميركية والسعودية” ليبرّروا رفع باريس السقف ضد حزب الله امس. فبعد المبادرة الفرنسية، وكيفية تعاطي الأخير معها، سقطت الاقنعة كلّها، وثبت بالدليل القاطع، للرأي العام المحلي والخارجي، أن الضاحية لا يهمّها ما يجري في لبنان، ولا اذا مات الشعب جوعا او غرقا او مرضا او بالنيترات، بل أولويتها “مصلحة ايران” التي من أجلها يرخص كل ثمين… ماكرون الذي اكد مرارا في مؤتمره الصحافي امس، أنه ليس ساذجا، حاول الرهان على امكانية ان تكون الاوضاع اللبنانية القاتلة قد بدّلت في سياسات الحزب. غير ان رهانه خاب، وتبيّن له بالدليل الحسي الدامغ الذي لا يرقى اليه شك، ان حزب الله يضع العصي في الدواليب، ويريد “إبقاء كل شيء في لبنان على حاله” على حد تعبيره. صحيح انه حمّل القوى السياسية كلّها مسؤوليه إفشال المبادرة، غير ان تصويبه على الحزب بالمباشر، واشارته للمرة الاولى الى انه لا يستطيع ان يكون ميليشيا وحزبا سياسيا في الوقت عينه، والى انه لا يمكن ان يمارس الترهيب على الاطراف الاخرى، محذرا اياه من اعتبار نفسه اقوى مما هو، كل هذه المواقف، دلت على انه المسؤول الاول عن إجهاض التشكيل، منبها من انه يأخذ لبنان والشيعة نحو الاسوأ.
هذه المعطيات التي عرّت حزب الله أكثر امام المجتمع الدولي، بحسب ما تقول مصادر سياسية سيادية لـ”المركزية”، تقود الى الاستنتاج بأن المهلة الجديدة التي اعطاها ماكرون للمبادرة الفرنسية الحكومية، والتي تراوح بين 4 و 6 أسابيع، لن تحمل على الارجح اي جديد “إيجابي” في الداخل. ففيما ايران أكدت مجددا اليوم ان “من غير المفروض ان يتدخل اي فريق خارجي في اللعبة السياسية اللبنانية”، ما يعني عمليا انها ليست في صدد تليين تصلّب حزب الله، التوازناتُ السياسية اللبنانية لا تتيح اي خرق للستاتيكو السلبي القائم… هل يمكن ان ينصاع الفريق الآخر في البلاد لارادة الحزب بتشكيل حكومة اختصاصيين مسيّسة يسمّي فيها كل مذهب وطائفة وزراءه، من دون مداورة في الحقائب؟ الامر مستبعد كثيرا ايضا، تجيب المصادر، لإدراك الجميع ان تركيبة كهذه، لا يمكن ان تحقق الاصلاح المطلوب ولا ان تفتح ابواب الدعم الدولي العربي والغربي امام بيروت.
امام الافق المسدود هذا، يمكن التعويل على عامل واحد لخرق هذا الجدار السميك الذي يعزل لبنان عن العالم ويُسجَن اللبنانيون خلفه: قلبُ المعادلة السياسية الحالية وإفقادُ حزب الله الاكثرية النيابية التي يملكها ويفرض بقوّتها، قراراته وتوجّهاته. والعيون هنا ترصد التيار الوطني الحر بشكل خاص. فبعد التمايز في اكثر من موقف بين طرفي تفاهم مار مخايل، وانتقاد رئيس البرتقالي النائب جبران باسيل قتال الحزب في سوريا، ورفضه المثالثة المبطنة وتمسّكه بالمداورة في الحقائب (….) هل يمكن ان يستكمل انعطافته هذه في الاسابيع المقبلة، فيعلن الطلاق مع الحزب؟
الخطوة كبيرة نعم، لكن حراجة الوضع اللبناني تحتاج قرارات كبيرة، بهذا الحجم. صحيح ان دين الحزب على التيار كبير، لكن الدين العام والتهديد المالي الامني الصحي الاجتماعي أكبر، ويجب ان تُعتق هذه الحقيقة المرّة، الوطنيَّ الحر، من اي حسابات أخرى. فهل يفعلها؟ هل يجرؤ على الابتعاد عن حزب الله، في موقف تاريخي لا ينقذ التيار فقط من سيف العقوبات الدولية الآتية، ولا العهد “العوني” المتهالك، فحسب، بل يحرّر لبنان وشعبه من الهيمنة الايرانية ويعيده الى حضن محيطه واصدقائه في العالمين العربي والغربي؟ الايام المقبلة ستحمل الجواب…