كل الابواب أقفلت وكل الآمال احبطت بعيد اعتذار الرئيس المكلف مصطفى اديب واطلالة عراب المبادرة الفرنسية الرئيس ايمانويل ماكرون المسائية وتسمية المعرقلين بالاسم من دون طرح حلول بديلة، لا بل امهال السلطة السياسية “الفاسدة” مجددا لاعادة السير بالمبادرة، انذاك يحين موسم الانتخابات الاميركية، فيتضح الخيط الابيض من الاسود وعلى اساسها يتحدد مصير لبنان.
واذا كان الثنائي الشيعي الذي لم يتوان ماكرون عن تحميله مسؤولية ما آلت اليه الامور حكوميا، اتخذ قرارا نهائيا بربط لبنان ارتباطا غير قابل للحل بالصراع الدولي الاميركي- الايراني وعدم تقديم مصلحة الوطن على أوامر الولي الفقيه ومحاولة فرض نظام جديد لمصلحته، فثمة في الداخل من لا يستسلم لهذه الارادة ويسعى جاهدا، ولو ان نسبة نجاح جهوده ضئيلة، الا انه يؤمن بضرورة عدم الاستسلام والرضوخ لمن يأخذ لبنان رهينة لمصلحة اربابه الايرانيين.
تكشف اوساط سياسية في المعارضة لـ”المركزية”، عن حركة اجتماعات واتصالات تجري بين بعض القوى السياسية والشخصيات غير المنضوية في المنظومة الحاكمة راهنا لترتيب اجتماع موسع لها يهدف الى تحصين دستور الطائف في مواجهة عاصفة المطالبة بنظام جديد للبنان يدفع نحوه بشدة الثنائي الشيعي لاسيما حزب الله. وتوضح ان لم يعد من مجال لترك الساحة لحزب الله يتصرف فيها وكأن البلاد ملكه وحده، يعلقها تارة على حبال حقيبة وزارية واخرى على مطلب طائفة في اطار فتح المسرح اللبناني للمد الايراني في اتجاه الدول العربية، فيما اركان السلطة ومالكو زمام القرار يتفرجون على لبنان ينسلخ عن محيطه العربي وعمن كان له السند والعون على مدى سنوات ازدهاره وتألقه. ويعتبر هؤلاء ان لا بد من وقفة تضع حدا للاندفاعة المتسارعة نحو هذا السلخ وخصوصا بالنسبة الى المملكة العربية السعودية التي تكاد لا تخلو اطلالة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من مهاجمتها، وفي ذلك مخطط لقطع كل صلة للبنان بالمملكة، بما ترمز اليه بالنسبة الى الطائف المستهدف الاساسي من اجل ارساء نظام جديد يتحكم به الحزب، يضع لبنان في صلب مشروع الممانعة والمقاومة وفي المحور الايراني وينقله من دولة مساندة وفق قرارات الجامعة العربية الى دولة مواجهة، ليبقى وحيدا من بين الساحات العربية متماهيا مع الجمهورية الاسلامية بعدما فقدت تدريجيا سائر الساحات.
وفي انتظار تبلور نتيجة الاتصالات لتحديد موعد الاجتماع، تربط الاوساط ما يجري حكوميا برفض ايران اعادة لبنان الى النفوذ الفرنسي بعدما اقتربت هي من الامساك الكامل بورقته، ذلك ان عودة فرنسا بقوة الى لبنان تعزيزا للعلاقات التاريخية الوثيقة بينهما، يشكل خطرا كبيرا على نفوذ ايران لا سيما ان هذه العودة مدعومة مسيحيا وسنيا ودرزيا على المستويين السياسي والروحي بما يقلص حجم سيطرة الثنائي الشيعي الذي بقي وحيدا في معركة التشكيل في مواجهة كل القوى السياسية الاخرى على القرار، والهيمنة على السلطة، خصوصا في زمن التطبيع العربي- الاسرائيلي ومحاولة باريس بسط نفوذها في المتوسط وتقدم المفاوضات لترسيم الحدود البرية والبحرية مع اسرائيل ومشروع نظام شرق اوسط جديد بقيادة اميركية ومباركة عربية ستضع طهران في حال عزلة وحصار قاتلين… هي آخر محاولات ايران لـ”امتلاك” لبنان ورهنه بالكامل لاجندتها. لكن يبقى في الوطن كثر يواجهون ويدافعون عن لبنان العربي الهوية والهوى، تختم الاوساط، وسيقاومون حتى النفس الاخير.