كتب علي الأمين في “نداء الوطن”:
المشهد السافر الذي ظهر مع اعتذار السفير مصطفى أديب عن تأليف الحكومة، هو أن الثنائية الشيعية بقيادة “حزب الله” تختطف لبنان وتمنع انقاذه من الانهيار الشامل الذي يتهدده.
غير ان التلاعب اللا أخلاقي وحتى اللا شرعي بمصير الطائفة كان بدأ منذ عقود، مع هيمنة الوصاية السورية الايرانية على لبنان لعقود مضت، وهي رسخت المحاصصة الطائفية التي استغلتها الثنائية أخيراً للاستئثار بحقيبة المالية وبالتالي تعطيل المبادرة الفرنسية.
آثرت “الثنائية الشيعية” استبعاد الأبناء عن طائفتهم الوطنية وتصفيتهم و”تشييعهم” كرمى لولاية الفقيه من اجل أحقاد وغايات ومآرب لا علاقة لها بالتشيع ولا بالمذهب الشيعي الجعفري.
تحول لبنان الى ورقة كما تحول الشيعة اللبنانيون في مسرح السلطة الى ورقة بيد الديكتاتور ومشغليه، لم يسبق ان كانت الطائفة على هذا القدر من التردي السياسي، جرى افراغها من كل ما يتصل بمفهوم التنوع والحيوية السياسية والاجتماعية، ايّ من جوهر ميزة التشيّع قبل ولاية الفقيه، اي الاجتهاد.
ما تعرضت له الطائفة هو الترسيخ الخبيث لمفهوم الأقلوية في وجدان ابنائها، عبر تعزيز ثقافة سياسية مذهبية، ترسخ فيهم مفهوم الانفصال عن المحيط، والخوف من كل ما يحيط بهم، والتحول الى كتلة بشرية مسوّرة بزنار من السلاح.
لعل الهزيمة الفعلية هي في هذا السقوط المريع والذي سيكون مدوياً في المدى القريب، سقوط نظرية السلاح بكل ما احاط بها من ديماغوجية واستقواء واستعراض، وتغييب لكل حيوية فكرية او سياسية ثقافية طالما كانت الجماعة الشيعية مسرحاً لتفاعلها منذ نشأة دولة لبنان الكبير والى ما قبل استحكام الأحادية بالجماعة الشيعية بمظلة ولاية الفقيه والاستقواء بالسلاح. انه سقوط لمقولة ان “القوة هي في امتلاك السلاح والصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة”.
المواطن السوري الموالي لنظام الأسد، يبحث عن كسرة خبز فلا يجدها، ولكن يجد بشار الاسد منتصراً ومنتشياً، انها الهزيمة بعينها، حين يفصل رئيس الدولة بين قصره وحاشيته الفاسدة من جهة وبين شعبه المنكوب والجائع، ما معنى ان تكون رئيساً ومسؤولاً لشعب منكوب، ان تزيد من جوعه والمه وتشرده؟ على هذا المنوال يسير اللبنانيون في طريق سلطة الفساد والافساد والنهب، لقد جرى تدمير الاقتصاد والدولة تحت ظلال السلاح.
لا معنى لكل الشعارات والادعاءات بالمقاومة حيناً ومحاربة الارهاب حيناً آخر، اذا كان المستقوون بها على شعبهم، لا يستفزهم نهب المال العام ولا الفساد والافساد، بل يبررونه ويمارسونه بذريعة الوحدة والمقاومة، بل يبتهجون بضعف الدولة واضعافها وتعظيم الدويلة.
هنا البؤس والانهيار والهزيمة.
حين يأنس الديكتاتور بالمصفقين له، وهذا وصف متساهل لنماذج حكامنا في لبنان، حتى لا نقول رؤساء عصابات ومافيات، تغويه لعبة التصفيق والتأليه والتنزيه، وهكذا تتحول السلطة الى فعل اشباع للأنا القاتلة، ولعل المأساة اللبنانية، شاهد على هذا النزوع لدى متزعمي الطوائف “المعصومين” المعتدّين بانهم أقوى من الدستور والقانون وأعلى من قواعد الدولة وشروطها.
على هذا المنوال جرى اختزال المواطنين والطوائف والمذاهب، ولكن المأساة الكبرى تكمن في ما آلت اليه الطائفة الشيعية التي صارت “ببراعة” زعيمها ومعاونه محاطة بالاعداء من كل صوب، لا رأي ولا عقلاء ولا اجتهاد، ولا تبصر ولا حكماء ولا رأي فيها لعاقل او حكيم، لا مجلس فيها ولا رفيق يؤنس وحدة الزعيم، لعل ابرز ما يميّز مسار استحكام الأحادية في الطائفة الشيعية ومصيرها ومسارها، ان ما يمكن ان نطلق عليه النخبة الشيعية اصطلاحاً، باتت اما خارج البلاد، او منكفئة امام سلاح التكفير والتخوين والغوغاء، ولعل المفارقة أنه في زمن صعود السلطة الدينية، يفتقد الشيعة اليوم اي حضور لأي نموذج في هذه المسيرة لشخصية تحظى بحضور عربي أو اسلامي وحتى لبناني، يتجاوز حدود العزلة وثقافتها.
يفتح مشهد ما يسمى الثنائية الشيعية، بمعنى ادق الأحادية الشيعية، في زمن سيطرتها ونفوذها، على واقع فيه الكثير من الخداع والالتباس، بل على حقيقة الجدار الذي وصلت اليه، وهي تقف امام الحقيقة العارية، تلك الحقيقة وبعد اربعين عاماً على بدء صعودها، تجد ان ما قدمته من نماذج على صعد بناء الدولة والحياة، امام فراغ هائل، يملؤه وهم القوة المذهبية التي لا تنتج الا استقواء على بقية المواطنين، وتراكم خوف مقيم من كل ما يحيط بها.