Site icon IMLebanon

ما هي الخيارات أمام لبنان بعد اعتذار مصطفى أديب؟

كتب د. ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:

إطلالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحديثه عن لبنان مساء الأحد 27 سبتمبر، رسمت صورة واضحة عما جرى في الأسابيع الأخيرة، خصوصا لناحية شرح العوامل التي دفعت الرئيس المكلف مصطفى أديب للاعتذار، وبالتالي إفشال المرحلة الأولى من المبادرة الفرنسية التي كانت تهدف لتشكيل حكومة طوارئ ذات مهمة إنقاذية محددة، مؤلفة من شخصيات مستقلة من ذوي الكفاءة والاختصاص.

وماكرون كرئيس إحدى الدول الكبرى الخمس، لا يستطيع الدخول بتسميات أكثر، ولكن إشارته كانت واضحة الى مصدر تعطيل المبادرة، والى الذين وضعوا الاشتراطات أمام أديب ومنهم خاصة الجهات الحزبية التي تستقوي بالسلاح، وقد وصف ماكرون هذه الفئات: بأنها فضلت مصالحها الشخصية وارتباطاتها الإقليمية على مصلحة اللبنانيين.

وإذا كان ماكرون أعلن أن المبادرة الفرنسية المدعومة دوليا وعربيا ولبنانيا، لم تنته، والفرصة متاحة أمام القوى اللبنانية لإعادة إنتاج حكومة إنقاذية جديدة، إلا أن ذلك لا يعني أن لبنان في وضع مريح، او أنه خرج عن فالق الزلزال السياسي والأمني والمعيشي الذي يهدد أبناءه في كل لحظة، وكل المعطيات تشير أن لبنان أمام خيارات قاسية، إذا لم تحصل معجزة ناتجة عن صحوة ضمير تختصر المصاعب المنتظرة.

الخيار الأول: بقاء الوضع الكارثي على ما هو عليه، عن طريق تمديد مهمة حكومة تصريف الأعمال، او ركوب خيارات متهورة أخرى بتشكيل حكومة تمثل أحزاب السلطة مشابهة من قبل ما تبقى من أغلبية برلمانية مرعوبة من المحاسبة، وبالتالي إبقاء البلد مأسورا لحاضنة الممانعة وأدواتها المسلحة، وقد عاش اللبنانيون ويلات الكارثة التي وصلت اليها البلاد من جراء هذه الحاضنة. وهذا الخيار هو بمنزلة دفن للفكرة اللبنانية بكاملها، وهو ما لا يرضى به اللبنانيون، ولا المجتمع الدولي.

الخيار الثاني: انطلاق اعتراض مدني شامل، او ثورة أرز جديدة، في وجه الذين رهنوا البلاد لمصالح خارجية، ومن أجل حصر حمل السلاح بالقوى الشرعية اللبنانية، واستعادة الاستقلال ناجزا، مع إبقاء علاقات لبنان طيبة مع الجميع، لاسيما مع إشقائه العرب وأصدقائه القادرين على مساعدته، وهذه المهمة ليست أصعب من المهمة التي حملها الجمهور اللبناني العريض عام 2005 وفرض خروج القوات السورية التي كانت أشد تأثيرا من القوى المسلحة غير الشرعية الموجودة اليوم. ومن الممكن أن يرافق اعتماد هذا الخيار تطورات قاسية، او اضطرابات أمنية، أو ظهور مشاريع تقسيمية، ولكنه أهون من نتائج الخيار الأول على أية حال.

الخيار الثالث: تدخّل دولي فاعل، يفرض تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالوضع اللبناني، لاسيما القرارين 1559 و1701، لناحية بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، ونزع سلاح الميليشيات ـ التي لم يبق منها سوى واحدة على حد تعبير البطريرك بشارة الراعي ـ وهذا الخيار له محاذيره بطبيعة الحال، لأن اللبنانيين اعتادوا على مجاملة بعضهم في مواجهة أي نوع من التدخلات الخارجية، ولكن المعطيات تشير أنهم فقدوا جزءا كبيرا من العاطفة تجاه من سبب لهم نكد العيش، وقضى على طموحات أبنائهم. وبالتالي فإن غالبية المكونات اللبنانية تجمهرت ضد موقف الثنائي مؤخرا، لأنهم يشعرون أن مكانة المكون الشيعي، مؤثرة وفاعلة اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولا تنقصها استزادة كما كان عليه الوضع بعد العام 1943، وشملت الهجمات الإعلامية الرئيس نبيه بري، وهذا الأخير شعر بفداحة تأثير موقفه عندما استعاد الحديث عن أهمية المبادرة الفرنسية بعد اعتذار أديب، ولكن كان السيف قد سبق العزل.

ربما تكون الواقعية السياسية التي تدعو للتسوية محل انتقاد أحيانا، خصوصا لأن الجمهور اللبناني بغالبيته فقد الثقة بالمقاربات الوسطية، ويبدو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أن هذا الجمهور على استعداد لولوج خيارات راديكالية قد تكون مؤذية، ولكن الأذى سيقع على الذين عطلوا عملية الإنقاذ أكثر من غيرهم.