ببرودة أعصاب لافتة، سلّم الجميع في الداخل والخارج بأن الاستحقاق الحكومي وضع في الثلاجة حتى اشعار آخر، وبأن مرحلة تصريف الأعمال ستطول ولن تنتهي قبل معرفة نتائج الاستحقاق الرئاسي الاميركي، وربما استمرت حتى نهاية العام.
إعلام الفريق الممانع، أعلنها بلا خجل وسوّق في صحفه ومنابره ان حكومة لبنان باتت مربوطة بانتخابات البيت الابيض. أما اللاعبون الدوليون الكبار، فبدوا أيضا مسلّمين بالامر الواقع هذا: الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قالها صراحة في مؤتمره الصحافي الاخير في شأن لبنان مساء الاحد، وما مهلة الاسابيع الستة التي اعطاها للاطراف اللبنانية لمحاولة الاتفاق على حكومة جديدة خلالها، الا خير دليل على ان الاخيرة باتت رهينة ما سيجري في واشنطن. أما روسيا، فأكدت في الساعات الماضية، اهتمامها بلبنان وتمسكها بضرورة حل جميع القضايا العالقة على الأجندة اللبنانية من قبل اللبنانيين أنفسهم، وهي ستترجم اهتمامها هذا بزيارة يعتزم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف القيام بها الى بيروت، في نهاية تشرين الاول المقبل! نعم في نهاية تشرين اي بعد شهر من الآن.
القوى الكبرى – تماما كما مَن يفترض ان يكونوا مؤتمنين على مصلحة اللبنانيين، وهم اتخذوا لنفسهم لقب “بي الكل” – استسلمت اذا لارادة “حزب الله” بإبقاء لبنان معلّقا على الصليب، ورقةَ تفاوضية ثمينة في يد القيادة الايرانية متى دقّت ساعة المفاوضات مع الرئيس الاميركي الجديد، أيا كانت هويّته. وبحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، هي ارادة “حزب الله” لا سواه، لانه يملك الاكثرية النيابية ولانه المعطّل الاول، بالدليل الدامغ، والشروط “التعجيزية” لعملية التأليف.
لكن فيما الكل يتفرّج، لبنان في “الجحيم”، وليس متجها اليه كما قال رئيس الجمهورية ميشال عون منذ ايام قليلة. اللبنانيون يتقلّبون على نار الاسعار، الغلاء يكويهم، الدولار عاود الارتفاع. كورونا ينتشر في كل مكان، والمستشفيات بدأت تحذّر من اقتراب السيناريو الايطالي الى ابوابها. وفيما هاجس رفع الدعم عن السلع الاولية يقضّ مضاجعهم، وقد بات مسألة وقت، تحوّلوا الى متسوّلين يقفون في طوابير الذل لساعات باحثين عن “غالون” بنزين بات يباع بالقطّارة، وعن “مازوت” مفقود نهائيا على ابواب الشتاء، وعن ربطات خبز.. والاخطر، أن هذا الشح وصل الى “الدواء”. نعم، صعوبة فتح الاعتمادات من قبل “المركزي”، خلقت أزمة دواء، فاقمها القلق من ارتفاع سعره في الاسابيع المقبلة مع رفع الدعم عنه.
المأساة حقيقية وستتفاقم. فهل مَن يشعر مع هذا الشعب؟ هل من يعنيه إخراجه من جهنّم؟ اهل السلطة عاجزون او لا يأبهون او لا يعلمون بما يحصل خارج اسوار ابراجهم وقصورهم العاجيّة. ورهان الناس اصلا ليس عليهم، ولسان حالهم “يلّي خربها ما بعمّرها”، لكن ماذا عن العواصم الكبرى، هي التي حرصت على التمييز بين الطبقة الحاكمة الفاسدة وبين الناس، وما انفكت تعبّر عن صداقتها وتعاطفها معهم؟ هل ستتركهم لمصيرهم؟ هل ستتفرّج عليهم يُجلدون ويساقون كالنعاج العاجزة الى الذبح على يد فريق قرر خطفهم لمصلحة عرّابه الاقليمي؟ الشعب اللبناني ينادي ويستغيث ويصرخ مطالبا بفكّ أسره.. فهل مَن يسمع؟ هل من يتحرّك؟ ام ان الناس التي ثارت وقُمعت، تُركت لدفع ثمن خيارات الفريق الاقوى في الداخل؟ حرام اللبنانيين… تختم المصادر.