كتب عمار نعمة في “اللواء”:
تابعت مجموعات وشخصيات إنتفاضة 17 تشرين، بترقب، مآل المساعي الحكومية الفاشلة الأخيرة وما تلاها من خطاب تقريعي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للزعماء السياسيين الذين وجهوا بتحاصصهم ضربة لفرصة كبيرة للبلاد أُهدرت لالتقاط أنفاسها.
خلال مفاوضات الرئيس المكلف مصطفى أديب لتشكيل الحكومة على أساس المبادرة الفرنسية المُجهضة، لم يحتفظ المنتفضون بموقف رفضي، وكانت العبرة بخواتيم التشكيل والبرنامج، مع يقينهم بأن منظومة السلطة تتصرف خارج تاريخ 17 تشرين وحتى خارج الرابع من آب تاريخ مأساة المرفأ.لكن المنتفضين كانوا واضحين، بفئاتهم المختلفة، على رفض حكومة على شاكلة حكومة تصريف الاعمال الحالية القائمة برئاسة حسان دياب..
تجنب الإستغلال الحزبي وتوتير الشارع
لم يكن فشل مهمة أديب مفاجئاً للمنتفضين. لكن هؤلاء يتخذون عبراً مما شاب مراحل مختلفة للانتفاضة منذ عام حتى هذه اللحظة.
وثمة عاملان خاصة ينوي المنتفضون تجنبهما. أولهما السماح باستغلال سياسي مشبوه للانتفاضة من قبل أحزاب وتيارات ظهر بعضها مساء أمس الأول وفضح نفسه بالدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة، ما تصنفه الانتفاضة في إطار تصفية الحسابات بين أركان الحكم عبر تحركات ذات توقيت معيّن وحسب مصالحها.
تحضر هنا أطراف كـ«القوات اللبنانية» و«الكتائب» وغيرهما ممن يريد اقتناص فرصة الضربة التي تلقاها العهد و«التيار الوطني الحر» في الشارع، من دون حتى المطالبة بقانون جديد وحديث للانتخابات وهو ما يفسر أهدافا سلطوية لتلك الاطراف.
كما يحضر، حسب الناشطين، «تيار المستقبل» الذي أراد لزعيمه سعد الحريري الظهور بمظهر المخلص بعد التضحيات التي قدمها، لكن من دون القدرة الفعلية على الحشد كما تبين في الساعات الماضية.
وذلك لا يعني رفضا لجماهير الاحزاب المُرحب بها في «الثورة» من دون أجندات أحزابها، فالناشطين جديون باجتذاب تلك الشرائح المتنوعة التي تغني تحركاتهم ولا تخترقها بالمعنى السلبي.
والعامل الثاني الذي يريد المنتفضون تجنيب البلاد والثورة نفسها له، يتمثل في توتير الشارع بينما الناس بغنى عن مثل هذا التوتير، كاللجوء من جديد الى عنف شوارعي وقطع للطرقات ليست الاحزاب ايضا بعيدة عنه.
وكان ملاحظاً أن دعوات أُطلقت فور انتهاء خطاب ماكرون للنزول الى الشارع وقطع الطرقات كانت بمعظمها مجهولة المصدر، وتبين منذ صباح أمس أنها لم تكن دعوات جديّة.
السلطة تريد الفوضى
لكن تحرك الشارع لا يزال الركن الأساس في الضغط على السلطة بالنسبة الى المنتفضين. لكن الموضوع لن يتم بعفوية ومن دون تخطيط، وسيتخذ صفة نشاطات قامت بها بعض المجموعات في أحيان كثيرة صوب الوزارات ومراكز الدولة التي يشوبها الفساد.
سيتحرك الناشطون في الفترة المقبلة تحت عنوان رفض الطبقة الحاكمة بكل وجوهها كما رفض أي تدخل أجنبي مصلحي حتى لو كان فرنسيا، مثلما تم رفض التدخل الايراني والاميركي وغيرهما.. والمطالبة بحل محلي للأزمة القائمة.
ثمة تحذيرات في أروقة الانتفاضة من رغبة السلطة لاستدراج الشارع الى فلتان أمني وحتى فوضى ما يعمق الانهيار الاقتصادي الحالي لكي تظهر السلطة بمثابة المنقذ للبلاد والضابط للشارع بعد تقسيمه وفرزه عبر تعزيز عصبياته. ولذلك ثمة دراسة وتأن لطبيعة التحركات المقبلة لكي تتخذ طابعاً نوعياً يفضح الفساد في الأمكنة التي يتم التظاهر ضدها ومنها وزارات التربية التي تشوبها الفضائح الآن، أو العمل أو الشؤون الاجتماعية..
ويبقى هدف المنتفضين بحكومة مستقلة ذات صلاحيات تشريعية إستثنائية بعد ضمانات تقدم لهم، لتتخذ قرارات جريئة وتُغير القوانين الموجودة وتقوم بخطوات سريعة تواكب طبيعة المرحلة وخاصة على الصعيد الاقتصادي.
قد يكون العامل الخارجي غير المصلحي مساعداً لحكومة كهذه تقتنص فرصة المساعدات الخارجية المالية، وهو أمر يشير الى واقعية وبراغماتية يتسم بهما الحراك في هذه المرحلة. إلا أن مجموعات كثيرة وذات ثقل نوعي على الأرض باتت «مندمجة» بأفكار موحدة وقد عبر بعضها عن ذلك خلال اللقاء الأخير في ساحة الشهداء. وثمة حديث عن ضرورة فرض أسماء لرئاسة الحكومة على السلطة من دون انتظار تلك السلطة لتقدم الاسماء للبنانيين ويكون الدور على الانتفاضة لتقبل بها. وإذا كان من الضروري عدم حرق بعض الأسماء للرئاسة الثالثة لا يريد الناشطون الإفصاح عنها علنا، فإن لائحة «إنقاذية» حضرت لناشطين وقضاة وإقتصاديين من غير المتقدمين في العمر ومن أصحاب الثقة في الانتفاضة لتحقيق التغيير المنشود.ظفي موازاة ذلك، ثمة برمجة لتحركات في الذكرى الثانية للإنفجار المأساة في المرفأ، أساسه المطالبة بمحاسبة «كبار» المتورطين في الكارثة. ويستعد هؤلاء خاصة للذكرى الأولى للإنتفاضة في 17 من الشهر المقبل تُحضر لها مجموعات إشتهرت خلال الانتفاضة مثل «المرصد الشعبي لمحاربة الفساد» و«شباب المصرف» و«لحقي» و«عامية 17 تشرين» و«الكتلة الوطنية» و«لبنان ينتفض» و«ستريت» و«ثوار بيروت».. وهناك مجموعات ذات تحركات نوعية في الشارع وليست بالضرورة ذات ثقل عددي على الأرض، لكنها ناشطة بقوة على صعيد وسائل التواصل الإجتماعي وفي الإعلام وفي إبتكار وسائل النضال ضد السلطة.. ناهيك عن ناشطي المناطق وخاصة في طرابلس وبعلبك والجنوب.