كتب درويش عمار في “اللواء”:
قالها الشاعر سعيد عقل يوماً كلمة ومشى.. قال: من خطر نمضي إلى خطر، ما هم نحن خُلقنا بيتُنا الخطرُ.
وكأني بالشاعر الكبير سعيد عقل قد أراد أن يُجسّد من خلال هذه الكلمات المعبرة واقع لبنان الذي طالما واجه الأخطار والصعوبات على مدى السنوات والعصور.
فالخطر المحدق بلبنان حالياً ليس بجديد، حيث أن مثل هذا الخطر قد أحاط بهذا البلد من كل حدب وصوب على مدى حقبة طويلة من الزمن، إلا أن المفارقة التي يُمكن التأكيد عليها هي أن اللبنانيين قد عاصروا وواكبوا دولاً وثقافات عديدة كانت قد احتلت أو غزت أو وطِئت أقدامها أرض لبنان يوماً ما، لكنها غادرت هذه البلاد دون أن تصيب منها مقتلاً، فكم من الأحداث والحروب والنزاعات عصفت بلبنان الذي استطاع الخروج من تلك الصعوبات والعواصف وأكمل رسالته في هذا العالم حيث قال فيه يوماً البابا يوحنا بولس الثاني: «لبنان أكبر من وطن، انه رسالة».
لم يكد الرئيس المكلف مصطفى أديب يعتذر عن إتمام مهمته بتشكيل الحكومة الجديدة ويتلو بيان الاعتذار إثر لقائه بالرئيس ميشال عون، حتى بدأت البيانات الحزبية تنهمر كزخات المطر، كما علت أصوات السياسيين بدورها لتصدح عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام من هنا وهناك، ينعون المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لدعم ومساعدة لبنان والشعب اللبناني، فيما حمّل البعض الآخر فشل مهمة أديب إلى أطراف عديدة في لبنان، وأخذوا يهوّلون على اللبنانيين بالمصير الاسود والصورة القاتمة عن مستقبل هذا البلد، وعما ينتظرهم من الثبور وعظائم الأمور.
قد لا نخفي سراً عندما نشير بوضوح إلى أن الوضع اللبناني ليس بخير، وليس هو على أفضل حال أو على ما يرام، ولا هو بحجم وطموحات وآمال اللبنانيين جميعاً، لذلك هناك تخوف فعلي من التأزيم وربما تدهور الأوضاع في هذا البلد نحو الأسوأ، لا سيما منها السياسية والاقتصادية وربما الأمنية، والمعيشية طبعاً وذلك لألف سبب وسبب.
أما بالنسبة للتهويل على لبنان واللبنانيين بالمصير المحتم الذي ينتظرهم، يجعلنا نسأل لا بل نتساءل، ترى هل هي المرة الأولى التي يخوض خلالها لبنان غمار المخاطر والصعوبات، ألم يواجه لبنان على مدى تاريخه حروباً وأحداثاً واحتلالات كادت أن تودي بكيانه ومصيره ومستقبله نحو المجهول، وعرّضته لأهوال مخيفة وخطيرة جداً، وهل نسي أو تناسى الجميع معاناة اللبنانيين ومواجهتهم لتلك الحروب والمآسي والأحداث، وكيف ستطاعوا ان يلملموا جراحهم ولم يستسلموا يوماً للمخاطر والسقوط بل واجهوا الواقع برباطة جأش وبأمل وتغلبوا على كل التحديات ونفضوا عنهم غبار الحروب وحلقوا من جديد تحت كل سماء وكوكب في هذا العالم.
وماذا بعد اعتذار الرئيس مصطفى أديب، وما هو المسار الذي سيسلكه لبنان في المستقبل المنظور، الجواب على هذا السؤال يرتبط الى حدّ كبير بالنزاعات الدولية والصراعات الإقليمية ومدى تأثير ذلك على الساحة اللبنانية وفقاً لمصالح تلك الدولة وارتباطاتها وتأثيرها على الواقع اللبناني بشكل مباشر أو غير مباشر، كل ذلك يرتبط بعامل مهم جداً وهو ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الأميركية المقررة مطلع شهر تشرين الثاني القادم.
سألت مرّة الصديق الراحل الدبلوماسي المخضرم السفير فؤاد الترك كيف يُمكن لك أن تختصر لي بكلمات معدودة مسيرتك الدبلوماسية الطويلة، قال وهو يرفع رأسه نحو الأعلى: «أنا أعمل عند رب عمل واحد اسمه لبنان».
فلو كان و تشبّه أولئك السياسيون في لبنان بالسفير الراحل فؤاد الترك وعملوا عند رب عمل واحد اسمه لبنان، هل يا ترى كنا قد وصلنا الى ما آلت اليه أوضاع هذا البلد خلال هذه الحقبة من الزمن الرديء، مع كل ما أعطاهم إياه لبنان من فرص وامكانات وقدرات إلا أنهم أطاحوا بكل المسلمات وتجاوزوا كل القيم الوطنية والانسانية والاخلاقية حتى وصلنا الى الدرك الذي نحن عليه اليوم، وبات لبنان على قاب قوسين أو أدنى من السقوط في الهاوية، بحيث لم يعد بحره بره درّة الشرقين كما جاء في كلمات معبرة للنشيد الوطني اللبناني.
أما كلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال مؤتمره الصحفي الأخير الذي خصصه للبنان يبقى هو الأهم لأنه يرسم في طيّاته معالم المرحلة المقبلة لهذا البلد وبالرغم من كل ما واجهته المبادرة الفرنسية حتى الآن من محاولات السياسيين اللبنانيين لافشالها، إلا أن الرجل كان واضحاً حين عبّر عن محبته وتقديره للبنان وللشعب اللبناني، وحين أكد أن فرنسا لن تتخلى عن لبنان وعن شعبه الطيب وستبقى الى جانبه مؤكداً ان المبادرة الفرنسية مستمرة رغم تعثرها وهو ما ترك لدى معظم اللبنانيين ارتياحاً عارماً وأملاً بأن تجربة مصطفى أديب لن تكون آخر المطاف، إنما هناك سلسلة اعتبارات ومصالح لدى معظم الدول الكبرى المعنية بالشأن اللبناني رغم كل خلافاتها وصراعاتها تحتّم عليها ضرورة العمل لعدم لسقوط لبنان في الهاوية، لأن ذلك من شأنه أن يرتب تداعيات خطيرة جداً على معظم دول المنطقة، لبنان في خطر، نعم إنه في خطر وهذه حقيقة مرّة،.. لكن هذا البلد وشعبه عايشوا الاخطار وهم خُلقوا وبيتهم الخطرُ.