Site icon IMLebanon

رسالة جعجع من مقاطعة الجلسة التشريعية

كتبت راكيل عتيّق في صحيفة الجمهورية:

في وقتٍ يستنكر كلّ من قوى الفريق الحاكم كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حمّل هذه القوى السياسية مسؤولية إفشال تأليف الحكومة وعدم التزام المبادرة الفرنسية، يؤكد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنّ «إجهاض» المبادرة الفرنسية لن يمرّ داخلياً أيضاً، موجّهاً رسالة سياسية «تحذيرية» للسلطة والفريق الحاكم بمقاطعة «القوات» الجلسة التشريعية التي تُعقد اليوم وغداً في قصر الأونيسكو.

فَصّل تكتل «الجمهورية القوية»، في بيانٍ أمس، أسباب عدم مشاركته في الجلسة التشريعية. إلّا أنّ السبب الجوهري الأساس لهذه المقاطعة مرتبط بتوقيت الجلسة بالنسبة الى «القوات»، التي أرادت أن توجّه رسالة سياسية للفريق الحاكم من خلال مقاطعتها، بأنّ مسألة إسقاط وإجهاض المبادرة الفرنسية بهذا الشكل لا يُمكن أن تمرّ وهي بغاية الخطورة، وأنّ التعاطي السياسي وفق قاعدة «buisness as usual»، لا يُمكن أن يستمرّ على هذا النحو وعلى قاعدة تساهلية. كذلك أراد جعجع القول للفريق الحاكم إنّ البلد لا يُدار بهذا الشكل، وإنّ تَبدية المصالح الفئوية والأولوية الذاتية والقبض على السلطة على حساب الناس والبلد لن يتم التساهل معه. فلا يُمكن، بحسب «القوات»، لفريق سياسي أجهض المبادرة أن يقول للبنانيين والخارج إنّه يواصل العمل في لبنان بنحوٍ تلقائي وطبيعي، خصوصاً أنّ ما ارتكبه بحق المبادرة الفرنسية خطيئة بحق اللبنانيين ومستقبل هذا البلد.

توقيت الجلسة وغياب «تشريع الضرورة» عن جدول أعمالها حيث هناك تشريع لبنود عادية لا بل «سيئة» على غرار قانون العفو العام، بحسب «القوات»، دفعاها الى عدم المشاركة في الجلسة. وتقول مصادر قواتية إنّ «هذه الجلسة التشريعية جاءت بعد أيام على إجهاض المبادرة الفرنسية وإفشال محاولة إنقاذية للبنان حكومياً، في وقت أنّ جميع الناس كانوا يعلّقون الآمال على هذه المبادرة للإنقاذ من الوضع المأساوي، إلّا أنّ سوء الإدارة السياسية لهذا الفريق الحاكم القابِض على مفاصل السلطة ضربَ المبادرة لأنّه يريد الحفاظ على المغانم والمكاسب والمحاصصة والزبائنية التي يحظى بها، وفي وقتٍ كان يجب على القوى السياسية أن تترفّع عن مكاسبها الآنية والخاصة من أجل مصلحة الوطن في لحظة انهيارية كاملة وشاملة وتحذيرات خارجية من انزلاق لبنان نحو الفوضى والمجهول والتفكك وانهيار الدولة». وترى «القوات» أنّ اللبنانيين كانوا يتأملون في عملية إنقاذ، وإذ بالقوى السياسية تذهب الى تشريع عادي وكأنّ شيئاً لم ولا يحصل. وبالتالي، هي لن تجاري هذه القوى في هذا الأمر عكس إرادة جميع اللبنانيين الذين كانوا ينظرون الى لحظة خلاصية وإذ بهم أمام انتكاسة وطنية سياسية».

التشريع في هذه اللحظة غير ضروري بالنسبة الى «القوات»، بل إنّ المطلوب هو «تأليف حكومة تحظى بغطاءٍ دولي من خلال المبادرة الفرنسية وتكون بمواصفات عالية تستطيع أن تحوز على الثقة الخارجية. فمجلس النواب لا يستطيع أن يقدّم أي شيء من دون وجود حكومة، وفي ظلّ وجود حكومة تصريف أعمال لا تحظى بأيّ غطاء خارجي. فالمطلوب الآن هو إجراء الإصلاحات، وإنّ الحكومة هي التي تقرّ الإصلاحات التي يشرّعها مجلس النواب لاحقاً».

الى ذلك، وقبل إجهاض المبادرة الفرنسية، كان هناك اقتناع راسخ لدى جعجع بأن «لا أمل» من هذا الفريق السياسي الحاكم، ولا خلاص إلّا بانتخابات نيابية مبكرة. انطلاقاً من هذا الإقتناع دعت «القوات» الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وقدّمت اقتراح قانون لتقصير ولاية مجلس النواب الى المجلس، وأبلغَت وجهة نظرها هذه الى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. كذلك تفرّدت بعدم تسمية الرئيس المكلف المعتذر مصطفى أديب، لأنّها كانت مقتنعة بأنّ «أديب، وعلى رغم قوة دفع المبادرة الفرنسية، لن يتمكّن من تحقيق أي شيء في ظلّ هذا الفريق الحاكم». وإنّ إفشال التأليف والمبادرة أثبت، بحسب «القوات»، أنّها كانت «محقّة بوجهة نظرها انطلاقاً من التجربة مع هذا الفريق».

وترى «القوات» أنّه «لا يمكن تحقيق أي شيء في لبنان إلّا من خلال كَف يد هذا الفريق، وكان يُمكن أن يتحقق ذلك عبر المبادرة الفرنسية بحكومة مستقلة تماماً بعيدة من أي تأثير لهذه القوى الحاكمة». لكن طالما أنّ هذا الأمر لم يتحقق، فإنه يجب، بحسب «القوات»، العودة الى النقطة الأساس وهي «الانتخابات المبكرة».

إلّا أنّ مقاطعة الجلسة التشريعية والدعوة الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة لن يقترنا بخطوة الاستقالة المنفردة من مجلس النواب الآن، فـ»القوات» لا تهدف من الاستقالة الى «اعتزال العمل والتزام المكاتب والمنازل»، بل إنّ هدفها من الاستقالة هو تغيير مسار وقلب الطاولة في لبنان. لذلك كرّر جعجع دعوته «الحزب التقدمي الاشتراكي» وتيار «المستقبل» الى «الاستقالة الثلاثية» من مجلس النواب، لكي تشكّل هذه الاستقالة قلباً للطاولة، فينتقل البلد الى مرحلة سياسية جديدة.

وبالتالي، إنّ خطوة جعجع السياسية المستقبلية، التي يضعها في رأس أولوياته، هي إقناع «حليفيه» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ورئيس «الاشتراكي» وليد جنبلاط بهذه الاستقالة، خصوصاً أنّهما كانا مستعدان لاتخاذ هذه الخطوة قبَيل استقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. ويجب، بحسب «القوات»، بعد أن أسقط الفريق الحاكم المبادرة الفرنسية، إعادة التفكير بهذا التوجه، إذ إنّ «استقالة القوى الثلاث تؤدي الى قلب الطاولة وفرض دينامية سياسية جديدة، وإلّا سيكون مصير لبنان معلقاً على التوقيت الخارجي».