كتب إيلي الفرزلي في صحيفة “الأخبار”:
لا يكفي أن يقر مجلس النواب قانون الإثراء غير المشروع اليوم. مضمون القانون يحدد جدية المشرّع في مكافحة الفساد. ولذلك، فإن تحييد الوزراء عن تحمّل المسؤولية الجزائية لقاء أي عملية إثراء غير مشروع، بحجة مخالفة الدستور، سيكون تبريراً للسرقة
تنعقد الجلسة العامة لمجلس النواب اليوم على وقع ضياع فرصة تأليف حكومة في المدى المنظور. هذا يعني أن على المجلس أن يأخذ المبادرة بقدر ما يستطيع لتلبية مطالب الإصلاح. صحيح أنه لن يكون بإمكانه إصدار قرارات إصلاحية كان يفترض أن تصدرها الحكومة السابقة أو التي كانت ستؤلف، ومنها تعيين هيئة ناظمة للكهرباء، وبتّ مناقصة محطات الغاز… لكنّ لمجلس النواب دوراً رئيساً في إقرار قوانين إصلاحية عديدة، أبرزها الكابيتال كونترول، والسرية المصرفية، والشراء العام، واستقلالية القضاء، وتعيين هيئة مكافحة الفساد… تلك قوانين، في حال إقرارها ستكون قد لبّت معظم مطالب الجهات المانحة التي تربط أي مساعدة أو قروض بإقرار هذه الإصلاحات.
البند الأول على جدول أعمال الجلسة التشريعية اليوم هو مشروع قانون الإثراء غير المشروع. الفكرة ليست جديدة، بل تعود إلى العام ١٩٥٣. في ذلك العام أقر المرسوم الاشتراعي الذي رمى حينها إلى مكافحة الإثراء غير المشروع الذي يحصل عليه الموظف أو القائم بالخدمة العامة. وفي العام ١٩٥٤ أتبع المرسوم الاشتراعي بقانون يتعلق بالتصاريح المطلوب تقديمها. لكن عملياً مرّت نحو ٥٠ سنة من دون أن يوضع التشريعان موضع التنفيذ. ولذلك، صدر في العام ١٩٩٩ قانون جديد لمكافحة الإثراء غير المشروع، وألغي التشريعان السابقان، لكن التشريع الثالث كان مصيره كسابقيه، لسببين: تضمن فرض كفالة مرتفعة على من يشتكي (٢٥ مليون ليرة)، وعدم تجريم الاثراء غير المشروع بمعزل عن الجرائم الجزائية أو المدنية التي أتى منها الإثراء. بعد ٢١ عاماً يطل اقتراح جديد لمكافحة الإثراء غير المشروع، يسعى إلى تفادي العقبات التي واجهت القوانين الثلاثة السابقة، كما يسعى للتماهي مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي وقّع عليها لبنان في العام ٢٠٠٨، والتي دعت الدول الأعضاء إلى سن قوانين تجرّم جزائياً أي زيادة في موجودات أي موظف حكومي بشكل لا يستطيع تبريره.
لذلك، يتضمّن المشروع الذي أقرّته اللجان المشتركة في ٣ حزيران ٢٠٢٠، تحديداً للجرائم الجزائية والمدنية التي بموجبها يكتسب الموظف والقائم بالخدمة العامة أموالاً بطريقة غير مشروعة. كما يحدد عقوبة هذا الجرم (من ثلاث إلى سبع سنوات مع غرامة من عشرين مليوناً إلى مئة مليون ليرة، إضافة إلى مصادرة أموال المحكوم عليه)، وإلزام كل الموظفين العموميين والقضاة وأي قائم بخدمة عامة بتقديم تصريح عن الثروة لدى مباشرة العمل ولدى انتهاء خدمتهم، أو عند ورود شكوى بحقهم. كما يُحدد القانون الجهة التي يتم إيداعها التصريح.
كنعان: الإثراء غير المشروع ليس جزءاً من «الواجبات الوظيفية»
في اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة التي ترأسها النائب ابراهيم كنعان، طال التعديل الأول اسم القانون، فصار: «قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع»، تأكيداً على أن التصريح هو مفتاح تنفيذ القانون (أعد نموذج للتصريح). كذلك ثبتت اللجنة تخفيض الكفالة التي يقدمها المشتكي من ٢٥ مليون إلى ٣ ملايين ليرة. كما أكدت ضرورة أن يعد جرم الإثراء غير المشروع خارجاً عن مفهوم الاخلال بالواجبات وخاضعاً لاختصاص القضاء العدلي. تلك الفقرة من المادة ١١ من المشروع، بالرغم من أنها مرت بالإجماع في اللجنة الفرعية، إلا أنها عندما انتقلت إلى اللجان المشتركة دبّ الخلاف بشأنها. البعض اعتبر أنها تشكّل خرقاً للمادتين ٧٠ و٧١ من الدستور، وبالتالي «سنكون أمام تعديل دستوري وليس أمام مادة قانونية لقانون عادي، مع ما يستوجبه هذا الأمر من التقيّد بمضمون المادة ٧٨ من الدستور (تتحدث عن أصول تعديل الدستور)». تلك الملاحظة التي وردت في تقرير اللجان المشتركة، قد تكون لغماً يفجر المحاولة الرابعة لإقرار قانون يعاقب على الإثراء غير المشروع. لم تسقط اللجان هذه المادة التي أقرتها اللجنة الفرعية، لكنها لم تصدق عليها أيضاً. بل تركت أمرها للهيئة العامة التي سيكون عليها أن تقرر اليوم. في المادة ٧٠ من الدستور، إشارة إلى أنه في حال أخل الوزير أو رئيس الوزراء بالواجبات المترتبة عليه، على مجلس النواب أن يتهمه ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلا بأكثرية الثلثين، على أن تتم المحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. رئيس اللجنة الفرعية إبراهيم كنعان يعتبر أن الجرائم المالية أو الإثراء غير المشروع لا يمكن أن يكون مشمولاً بـ»الواجبات الوظيفية» المشار إليها في المادة ٧٠، إذ لا يمكن لنص دستوري أن يُعقّد إجراءات محاكمة وزير أو مسؤول عن جرم جزائي ارتكبه.