صحيح ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تحدث بنبرة هادئة امس وحرص على التأكيد على تمسّكه بالمبادرة الفرنسية، معتمدا على هذين العاملين لتبرئة ساحة “الثنائي الشيعي” من تهمة تعطيل عملية التأليف في جولتها الاولى، غير ان كل ما جاء في خطابه في شقّه الحكومي، أسقط في الواقع اي حظوظ لتشكيل حكومة بالمطلق – اللّهم الا اذا قبل الاطراف كلّهم بالتخلي عن مطالبهم لصالح السير بما يريده حزب الله ويلخَّص بثلاث كلمات: حكومة “حسان دياب جديدة”- وقد نسف في الوقت عينه، جوهر المبادرة، الذي فهمه أقل الناس متابعة للشأن السياسي في لبنان، وإن لم يُكتب بكلمات على ورق، وهو تشكيل حكومة مختلفة تماما عن كل الحكومات السابقة، قادرة على انتشال لبنان من المأزق الاقتصادي – المالي الذي يتخبّط فيه، بعيدا من المحاصصات الضيقة والحسابات التقليدية الحزبية والطائفية والميثاقية، بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”.
فالامين العام خلع قفازاته وتحدث بصراحة مطلقة قائلا “نريد ان نشارك في الحكومة، ونريد ان نختار نحن من يمثّل الشيعة فيها، فالهدف ليس ان يتمثّل الشيعة وان ينالوا هذه الحقيبة او تلك، بل المطلوب معرفة مَن يتحكّم بقرار هؤلاء الشيعة”. نصرالله عزا اصراره هذا، الى اثنين: حماية ظهر المقاومة من “غدر” شبيه بذلك الذي تعرّضت له في 5 ايار 2008، علما ان الحزب – وفي مفارقة لافتة – كان ولا يزال يعتبر الرئيس سعد الحريري الخيار المفضل لديه لرئاسة الحكومة وقد جلس معه في اكثر من حكومة منذ ذلك التاريخ. اما السبب الثاني، فهو انقاذ لبنان وحمايته ومنع سقوطه من الوضع السيئ الذي يتخبط فيه، الى وضع أسوأ. لكن كيف جمع السيد حسن بين مشاركته في الحكومة وانقاذ لبنان؟ تسأل المصادر. بموضوعية وتجرّد، هو كان اقرّ، بنفسه، منذ اسابيع قليلة بأن البلاد تتعرّض لحصار اميركي وخليجي، للانتقام من حزب الله، داعيا واشنطن الى مواجهته بالمباشر لا الى تدفيع الناس ثمن المواجهة التي تخوضها معه. هذا يعني استطرادا، أن وجود الحزب في قلب الحكومة اليوم، سيُبقي هذا “الحصار” على حاله، خاصة في ظل موجة التصعيد الاميركي في وجه الحزب وحلفائه وفي اعقاب الخطاب عالي السقف الذي اطلقه الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز منذ ايام قليلة.. وقد توقّف عنده الامين العام امس… بينما اللبنانيون يحتاجون الى اوسع دعم مالي ومادي ممكن!
نصرالله وفي معرض شرحه ضروريات وجود الحزب في الحكومة العتيدة، اشار ايضا الى انه يريد الاطلاع على الشروط التي سيفرضها صندوق النقد الدولي مقابل تأمين المساعدة المالية للبنان، رافضا بيع املاك الدولة وزيادة الضريبة على المحروقات… فهل هذا يعني ان الحزب في صدد وضع العصي في عربة التوصل الى اتفاق مع الصندوق؟ علما ان هذا التفاهم يعتبر حجر زاوية هيكل الدعم الدولي المنتظر للبنان، ومن دونه لن يصل الى خزينتنا قرش واحد؟ وللتذكير هنا، فان الحزب يملك الاكثرية في مجلس النواب، ويمكنه ان يُسقط في ساحة النجمة، اي اقتراح لا يناسبه…
وفي عود على بدء، تقول المصادر، ان ما اعلنه نصرالله امس جوّف المبادرة الفرنسية، واعاد لعبة التأليف الى المربع الاول لا بل الى مرحلة ما قبل 4 آب. فلا انقاذ الا بحكومة من الاختصاصيين المستقلّين عن كل القوى السياسية، عن رؤساء الحكومات السابقين وعن سواهم، وعن حزب الله اساس القطيعة الدولية – العربية للبنان. فالداء لا يمكن ان يكون الدواء، الا اذا نجح الحزب في اجترار ملايين الدولارات والاستثمارات من ايران والصين ودول المشرق الى بيروت المنهارة حجرا وبشرا واقتصادا!