كتب العميد الركن نزار عبد القادر في صحيفة اللواء:
أكتب هذه الافتتاحية مستبقًا ما سيقوله حسن نصرالله في اطلالته من على شاشة تلفزيون المنار مساء اليوم الثلاثاء (أمس)، من المتوقع ان يشرح الأمين العام لـ”حزب الله” موقف “حزب الله” من عملية تشكيل الحكومة العتيدة، وأن يرد على اتهامات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والتي أطلقها في مؤتمره الصحافي يوم الأحد الماضي، محمّلاً الثنائي الشيعي مسؤولية إفشال مساعي الرئيس المكلف مصطفى أديب لتشكيل «حكومة المهمة»، وبالتالي دفعه للاعتذار عن التكليف والعودة إلى سفارته في ألمانيا.
هاجم ماكرون بلغة غير دبلوماسية جميع القوى السياسية واتهمها بأنها قد فضلت مصالحها الخاصة على مصالح البلد، وبأنها قد تصرفت بصورة معاكسة ومناقضة لكل الالتزامات التي قدمتها له في اجتماع أوّل أيلول في قصر الصنوبر، وذهب ماكرون في اتهاماته لـ”حزب الله” و”أمل” بأنهما لا يريدان التسوية الخاصة الداعية لتشكيل حكومة غير سياسية، قادرة على الاضطلاع بالاصلاحات المطلوبة والمحددة بخارطة طريق حملها الرئيس الفرنسي، لتسهيل الحصول على مساعدات وقروض صندوق النقد الدولي والدول والهيئات التي ستشارك في مؤتمر دعم جديد، يعقد في باريس في تشرين أوّل بدعوة منه.
جاءت الاتهامات التي كالها ماكرون لـ”حزب الله” قاسية وواضحة، وتعكس بشكل صريح خيبة الأمل الكبيرة التي اصابته، بعد ان كان قد عوّل أثناء اجتماعه مرتين متتاليتين مع النائب محمّد رعد ممثّل الحزب إلى اجتماعات قصر الصنوبر، والتي أوحى فيها بأن الرئاسة الفرنسية تعوّل على التعامل مع “حزب الله” كفريق سياسي لبناني، يملك كامل المؤهلات التي تملكها القوى السياسية الأخرى، وبعيداً عن أي تأثير مباشر للاتهامات الأميركية والعربية والأوروبية للحزب بأنه تنظيم إرهابي.
لا بدّ في هذا السياق من التوقف ملياً عند ذهاب الرئيس الفرنسي إلى تذكير قيادة “حزب الله”، بأنه لا يمكنها الجمع بين مجموعة من المهمات والوظائف المتناقضة، وذلك من خلال قوله «لا يستطيع الحزب ان يكون جيشاً يحارب إسرائيل، وميليشيا تحارب في سوريا، وحزباً سياسياً محترماً في لبنان.. ويبدو هنا بأن الرئيس الفرنسي قد أراد تحذير حزب الله من النتائج الوخيمة التي يمكن ان تتسبب بها تعددية هذه الأدوار، وما يمكن ان تتسبب بها من متساقطات على لبنان وعلى الحزب نفسه في ظل نظام العقوبات المفروضة عليه وعلى كل من يتعامل معه دولياً وداخلياً.
كان اللافت في كلام ماكرون بأنه لم يعترف بسقوط أو نهاية مبادرته ولكنها تعرضت لانتكاسة أولى، وبأنه حريص على عدم التخلي عن اللبنانيين، وهذا ما دعاه لفتح فرصة جديدة امام القوى السياسية تمتد لفترة أربعة إلى ستة أسابيع، لتشكيل «حكومة المهمة»، يتبع ذلك الدعوة لمؤتمر باريس لمساعدة لبنان، ولكن كان ماكرون واضحاً في توجيه تحذيرات للأطراف التي يمكن ان تستمر في إقامة العوائق ونصب الأفخاخ في مساعي البحث عن مخارج لبلوغ التسوية الحكومية المطلوبة.
من المتوقع ان يقدم نصرالله في إطلالته على شاشة المنار مطالعة مستفيضة يشرح فيها موقف الحزب من مساعي تشكيل الحكومة، ومن المبادرة الفرنسية بصورة عامة، وأن يضمنها أيضاً ردوداً مباشرة على الاتهامات التي ساقها ضده ماكرون، والتي تحمّله مع الفريق الشيعي الآخر المسؤولية الكبرى عن فشل مصطفى أديب عن التوصّل إلى تشكيلة حكومية مقبولة، لكن براعة السيّد نصر الله في المطالعات التلفزيونية أو الوقفات الخطابية لن تكون كافية هذه المرة لغسل يديه من مسؤولية محاولة إسقاط المبادرة الفرنسية بالضربة القاضية، من خلال رفع المطالب الشيعية «التعجيزية» كونها تتناقض كلياً مع مطلب «الحكومة المهمة»، وتعيد بالتالي تكرار عملية استنساخ لحكومة حسان دياب، والتي فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أية إصلاحات وعدت بها، وذلك انطلاقاً من سياسات المحاصصة السياسية التي تمثلها، بالإضافة إلى مخالفاتها لنصوص الدستور.
يبدو بأن هناك نزعة عامة لدى السياسيين والاعلاميين لربط إفشال محاولات تشكيل الحكومة بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبأن إيران لا تريد إعطاء ضوء أخضر للفرنسيين بحل الأزمة الضاغطة التي يواجهها لبنان، وبرضى «الحد الادنى» الذي ابدته الإدارة الأميركية. لا يمكنني المناقشة بهذا الأمر، والذي ينطلق من حقيقة مدى أهمية دور لبنان في المنطقة سواء بالنسبة للفرنسيين والاميركيين، وايضاً الإيرانيين، ولا بدّ من التوقف هنا عند الأهمية التي يعلقها حزب الله وحليفه الشيعي على الاستمرار بالامساك بناصية القرار الوطني في لبنان، وذلك من خلال الأكثرية النيابية التي يملكانها في المجلس النيابي، ومن خلال المشاركة المباشرة والفعالة وامتلاك الثلث المعطل داخل الحكومة.
لقد سعى الثنائي الشيعي منذ ما يزيد على عقدين ونصف لتحصين جبهته وتدعيمها، وبما يعطيه القدرة على تحقيق مجموعة كبيرة من المكاسب وتراكمها، من هنا يبدو حرصه على المطالبة بحقيبة المالية وبتسمية وزراء الشيعة في الحكومة العتيدة، والحفاظ على الثلث المعطل، والتي تشكّل المكاسب الفعلية التي تحققت نتيجة صراعات وانتصارات متتالية حققها الحزب بدعم من أمل، والتي قادت في عام 2008 إلى تسوية الدوحة، والتي يعتبرها الحزب بأنها تشكّل «المظلة الشرعية» الواقية له ولمشاريعه الداخلية والإقليمية.
من المتوقع ان يرد نصرالله على تعددية وظائف وادوار حزب الله كجيش وميليشيا وحزب سياسي لبناني بما اعتاد ان يقوله المسؤولون في الحزب، وفي مختلف المناسبات والاستحقاقات بتأكيدهم بأن سلاح الحزب هو موضوع غير قابل للنقاش، في ظل استمرار الصراع مع إسرائيل، وفي ظل الهجمة الاستعمارية والارهابية ضد محور المقاومة والممانعة، ومن هنا يعتبر “حزب الله” بأن سلاح الحزب قد تحوّل منذ خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005 إلى «سياج للشيعة في لبنان»، وذلك وفق قراءة قدمها الراحل الشيخ هاني فحص في مقالة له نشرت في صحيفة الحياة بتاريخ 22 آب 2005، لكن على حزب الله ان يُدرك بأن الظروف الدولية والإقليمية قد تغيّرت، وبأنه لن يكون بمقدوره ومقدور إيران ان تصمد طويلاً امام التغييرات الجيوستراتيجية الحاصلة دولياً أو على مستوى الإقليم.
في المحصلة، لو تركنا التعقيدات الإقليمية جانباً، وتحديداً المصالح الإيرانية ومدى انسجامها أو تعارضها مع الجهود المبذولة لتشكيل حكومة إصلاحية في لبنان، فإنه لا بدّ لنا من الاعتراف بضرورة حصول توافق بين القوى السياسية الداخلية، وهذا الأمر لن يكون من الممكن تحقيقه من خلال الطلب إلى حزب الله بالتنحي أو التخلي عن وظائفه المتعددة، وبالتالي القبول بالانكشاف سياسياً وأمنياً واستراتيجياً امام هذه الهجمة الشاملة ضده وضد إيران والتي تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل والتي تجد لها أصداء وحلفاء في العالم العربي وداخل لبنان نفسه.
من هنا تبدو الحاجة ملحة للبحث عن صيغة حكومية غير الصيغة المطروحة، بحيث تشارك فيها القوى السياسية ومن بينها حزب الله، على ان تشكّل أكثرية الحكومة وفي الوزارات المطلوبة الإصلاح منها من اختصاصيين غير سياسيين.