كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
بفضل الجلسة التشريعية لمجلس النواب تراجع الحديث عن الملف الحكومي وبات الكل في مرحلة التقاط الأنفاس بعد كلام الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. ومع الاعلان المتوقع اليوم لرئيس مجلس النواب نبيه بري عن خطوات جديدة في ملف ترسيم الحدود سيكون الأمر أشبه بطيّ ملف التشكيل موقتاً.
كأن فترة الاسابيع الستة التي منحها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اعطت الجهات المعنية بتشكيل الحكومة نفساً عميقاً قبل الشروع مجدداً في أي مسعى في اتجاه تشكيل الحكومة. عامل آخر اضافي يستمهل المباشرة بتشكيل الحكومة يتعلق بـ”كورونا” الذي أصاب عدداً من العاملين في القصر الجمهوري ما جعل أرجحية إرجاء المشاورات هي الطاغية. لعلها رمية من غير رام. إذ لا يملك أي طرف ترف المخاطرة بالاقدام على خطوة ناقصة. مهلة الأسابيع الستة إما القصد منها انسحاب فرنسي بهدوء أو الربط بالانتخابات الاميركية. والنقطة الاخيرة لا تبدو منطقية حيث ان الانتخابات الاميركية لا تتوقف على يوم الانتخاب وصدور النتائج. فالمرحلة الانتقالية ما بين رئيسين قد تستغرق شهرين هذا من دون ترتيب السياسات الخارجية والتي لن يكون معقولاً ان يبدأها الرئيس الجديد من بيروت مثلاً، حتى ولو كان ترامب نفسه.
ثمة إنطباع دولي ان لبنان وصل الى أفق مسدود حالياً بدليل قبول الفرنسيين باعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب وإلا كان استمر في محاولة تدوير الزوايا. وهنا قد لا تغدو عودة الفرنسيين قريبة. فالسفير الفرنسي برنار فوشييه سيغادر الى بلاده يوم غد الجمعة لانتهاء مدة خدمته وما بين تسليم وتسلم للسفيرة الجديدة والزيارات البروتوكولية يصعب استنتاج مستجد يبنى عليه في القريب العاجل.
لكن يمكن هنا النفاذ من طاقة الامل التي أبقاها ماكرون مفتوحة ولاقاه إليها السيد نصرالله، لا سيما مع توافر معلومات تقول ان الساعات المقبلة ستشهد تواصلاً بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، لإستكشاف مرحلة ما بعد خطاب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والرد عليه محلياً. وحسب المعلومات فإن عون لا يبدو في وارد تكرار التجارب السابقة الفاشلة في موضوع التكليف وان الاستمهال هو في مصلحة هيبة الدولة ومسار تشكيل الحكومة.
في هذا الوقت ينتظر اعلان موقف متقدم حول ملف ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل ومن المتوقع أن وفداً أميركياً رفيعاً سيصل إلى لبنان عما قريب، للشروع في المفاوضات وأن بري سيعلن عصر اليوم عن خطوات جديدة في مسار الترسيم. وطالما أن لبنان كان ينتظر الرد الاسرائيلي على شروطه بالتفاوض برعاية اميركية تحت مظلة الامم المتحدة وتلازم مساري الترسيم البري والبحري وعدم تحديد سقف زمني للترسيم، فان مجرد وصول الوفد والاعلان عن تقدم ما يعني حكماً وجود موافقة اسرائيلية على المطلب اللبناني ليبقى الدخول في تفاصيل المواعيد الزمنية لتلك المفاوضات وجدول الاعمال. مصادر متابعة توقعت أن الجانب الاميركي سيتمسك بمفاوضات على اساس خط “هوف” وان لبنان قد لا يصر مجدداً على تلازم الترسيم البري مع البحري. خطوة الشروع في مفاوضات الترسيم تدفع البعض الى التفاؤل والبناء عليها لتخفيف الضغط الاميركي عن لبنان.
ابتداء من اليوم تصبح الامور مرهونة بسلسلة عوامل من بينها الخطوات الفرنسية باتجاه لبنان وموقف عون من الدعوة الى مشاورات لتكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة، او الشروع في مفاوضات التكليف ثم التأليف وهذا ما ترغب فيه قوى الثامن من آذار، واذا كانت ثمة امكانية لتشاور الكتل النيابية مع بعضها. ويفترض ان تتحرك الخلية الفرنسية باتجاه لبنان مجدداً وأن نكون امام اسبوع حاسم متخم بالمواعيد لتوضيح ملامح الصورة على المستوى الحكومي، ومصير المبادرة الفرنسية واستئناف المشاورات بين المكونات السياسية المحلية. ويتوقع في هذا السياق تواصل قريب بين عون وبري قد تكون باكورته ظهرت خلال الجلسة التشريعية بالامس على خلفية التناغم الذي حصل بين تكتل “لبنان القوي” وبري.
ثمة من يرى ان لا حل امام الفرنسيين إلا التمسك بمبادرتهم واعادة تزخيمها من جديد ما يستوجب أن تكون مبنية على أسس متينة وإنضاجها مع الخارج اي الاميركيين، خصوصاً أن المسؤولين الفرنسيين كانوا ابلغوا “حزب الله” خلال المشاورات الماضية ان العقوبات الاميركية موجهة ضد تحركهم في لبنان وانهم ابلغوا الطرف الاميركي بهذا الامر. قالها نصرالله لماكرون في خطابه الاخير: “إذا اردت ان تعرف من الذي عطل مبادرتك فابحث عن الاميركيين”. ولعل فرصة الاشهر الستة كان هدفها افساح المجال امام الديبلوماسية الفرنسية للتحرك باتجاه الاميركيين والعودة بكلمة سر منهم تسهل تشكيل الحكومة في لبنان. وما دون ذلك لا رجاء من امل معقود على الشركاء – الأعداء في الوطن؟