كتبت مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:
أيام قليلة وتحتل أزمة النفايات التي ستغزو شوارع لبنان قائمة اهتمام اللبنانيين. فبعد أن دمر إنفجار مرفأ بيروت منشآت معامل الفرز والتدوير في الكورال والكرنتينا ناهيك عن زيادة حجم النفايات بسبب الردميات الناجمة عن الإنفجار، ووصول القدرة الإستيعابية لمطمر الجديدة إلى حدّها الأقصى، تعاني الشركات المتعهدة جمع النفايات من شح في مادة المازوت ونقص حاد في عمال النظافة، ومن عدم دفع الدولة لمستحقاتهم التي سبق أن طالبوا بها “بالدولار المحلي”.
أزمة النفايات التي شهدتها شوارع بيروت وجبل لبنان الأسبوع الماضي مع اقفال معمل المعالجة في العمروسية لأيام وبعدها حلحلة موضوعها، يمكن أن تحصل في صيدا بعد أسبوعين مع تحذير معمل المعالجة فيها من عدم قدرته على الإستمرار بسبب أزمة العملة الصعبة والخسائر التي يتكبدها. بالمحصلة، منذ 2015 و”حلول الترقيع الموقتة” وأزمة النفايات، لا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر، وتفوح منهما شُبهة تخيير الشعب بين السيئ والأسوأ، فهل تستطيع حكومة تصريف الأعمال مواجهة عودة ملف النفايات إلى الواجهة؟
لا بديل لـ”الجديدة”
لم تختلف حكومة دياب عن سابقاتها في ما خص ملف النفايات، وبعد ظهور المشكلة في نيسان اتفقوا على التمديد لمطمر الجديدة ورفع مستواه متراً ونصف المتر ضمن استراتيجية تمرير الوقت، والربط بين “حلول الترقيع الموقتة” ورديفها الدائم، “تأجيل الكارثة”.
تقول ايفون شلالا، التي تسكن بجوار المطمر، لـ”نداء الوطن” إنها كمثيلاتها في الجديدة وبرج حمود، تشعر بسخط متزايد على اهمال الدولة لملف النفايات ولصحة المواطنين. وتتابع: “نتوقع أن يتم تخيير المواطن بين السيئ والأسوأ، بين تراكم النفايات في شوارع الوطن أو توسعة المطمر، نحن عنوان الحل الموقت وغير المستدام، وهذا ما نرفضه. لكننا على ثقة تامة أن النفايات ستعود إلى الشارع وسيتعامل معها المعنيون على أنها “قالب جبنة ككل شيء”، ثم سيتوافقون سياسياً على حساب بيئتنا ويقرون مشروع “ردم البحر ونقل مرفأ الصيادين وأنابيب النفط” أو “توسعة جديدة”، وكأن الطمر وحده حلّ لا بديل له”.
يشعر سكان المنطقة بالغضب فقط من فكرة توسعة المطمر، فكيف لو علموا أن المصيبة لا تتوقف هنا. بل، إن التوسعة لو حصلت، ستكون غير مجدية، وسيمتلئ المطمر بسرعة البرق، إذ صار مطمر الجديدة يستقبل 1300 بدل 600 طن مع توقف معامل الفرز التي دُمرت بانفجار المرفأ وتحتاج نحو 63 مليون دولار أميركي لإعادة تأهيلها وتشغيلها وتطويرها من جهة، وإتمام معمل التخمير الخاص بمطمر كوستابرافا الذي يكاد يصل إلى قدرته الإستيعابية، لأنه صار يستقبل 1500 بدل 1000 طن، من دون إيجاد بديل له، هو الآخر.
شح في مادة المازوت
وفي حين تعصف أزمة محروقات منذ حوالى أسبوعين في كل أنحاء لبنان، مع اعتماد المحطات سياسة التقشف بالسماح للمواطنين بتعبئة حوالى 12 ليتراً من البنزين أو المازوت ترقباً لرفع الدعم، طاولت الأزمة ايضاً خدمات النقل والخبز والإتصالات. ويبدو أن الشركات المتعهدة جمع النفايات قد تأثرت بها، إذ وبحسب كل من “لافاجيت”، “رامكو” و”سيتي بلو” ان صلب مشاكلها اليوم نابع من مشكلة الشح في مادة المازوت.
ويقول أحد إداريي شركة “رامكو” المولجة جمع النفايات من شوارع العاصمة وجبل لبنان وليد بو سعد إنه كان لديه في الشركة حوالى 100 ألف ليتر من “احتياطي المازوت” وقد بقي منها 20 ألف ليتر فقط، وإن الشركة المعنية بتزويده وغيره من الشركات بمادة المازوت على سعر منخفض خفضت الكمية التي تبيعهم اياها. وعليه، يواجه مشكلة كبيرة من هذه الناحية، بخاصة أن الدولة اللبنانية ومنذ تاريخ تشرين الثاني 2019 لم تدفع مستحقاتها للشركة بالدولار الأميركي، عملاً بالعقد الموقع بينهما لارتباط كلفتهم بشكل مباشر بالكلفة التشغيلية بالدولار الأميركي، لتغطية ثمن الآليات المستوردة وأعمال الصيانة والقطع الاستهلاكية والتي تشكل أكثر من 80% من الكلفة التشغيلية الإجمالية، بالإضافة الى كلفة العمال الأجانب الذين استحملوا الأمر لسبعة أشهر ثم غادر أغلبهم، ما ألحق بالشركة خسائر كبيرة.
من جهته، أكد المدير في شركة “لافاجيت” المسؤولة عن جمع النفايات في شمال لبنان ادوارد باحوت معاناة شركته من مشكلة المازوت فقط، آملاً في إيجاد حل سريع للموضوع، إذ إنه وحتى الآن لم يرفع الدعم عن المادة ولم ترتفع الكلفة، أما إذا ارتفعت، فمن المرجح أن تتعاظم المشكلة.
أما المدير عصام حجار من شركة “سيتي بلو” المتعهّدة والمسؤولة عن جمع النفايات في مناطق جبل لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت فقال لـ”نداء الوطن” إن أزمة المازوت، تدفعه لتقنين مشاوير مركبات النظافة، بنحو 20 إلى 30% عما قبل، وإن أزمة الدولار وعدم سداد الدولة للمستحقات المتوجبة عليها دفعتهم للتوجه بشكل كبير إلى اليد العاملة اللبنانية، حتى تجاوزت نسبة العاملين في الشركة الـ70% وجميعهم مسجلون في الضمان الإجتماعي.
الشغل مش عيب
وفي وقت يشكو المواطن اللبناني من ارتفاع في نسب البطالة، ومن توجه بعض المواطنين إلى حلول انتحارية كـ”قوارب الموت” تعاني الشركتان “سيتي بلو” و”رامكو” من كثرة الاستقالات بين العمال اللبنانيين بعد انضمامهم للعمل بفترة بسيطة، ومن تلقيهم شكاوى عديدة عليهم أنهم لا يعملون بشكل جدي أو يهدرون وقتهم على الهاتف.
ويقول المدير في شركة “رامكو” وليد بو سعد أنه فقد مع تفاقم أزمة الدولار 700 عامل أجنبي وأن شركته، تعاني بشكل كبير في موضوع التوظيف. ويتابع: “نحتاج في الشركة اليوم لـ 500 عامل لبناني، لكننا نجد صعوبة في إيجادهم، وفي حال وجدوا فيستقيلون بعد فترة قصيرة لا تتجاوز الأسبوع وللأسف هناك ثقافة ترى العمل في قطاع النفايات معيباً”.
ومقابل عدم تقبّل الشباب لهذه المهنة انضمت حديثاً المواطنة اللبنانية ليا نوربتليان إلى فريق عمال النظافة كأول إمرأة تعمل في القطاع تحت شعار “الشغل مش عيب”. وفي حديث خاص مع “نداء الوطن” تشرح ليا أنها وقبل الانضمام الى عائلة “رامكو” كانت تتطوع في تنظيف الطرقات بلا مردود مادي لمدة 4 أشهر، وأنها “متمسكة بخيار نشر ثقافة النظافة وتشجيع اللبنانيين على مبدأ النظافة المجتمعية، على الرغم من مختلف الظروف الصعبة التي تمر بها المدينة المنكوبة”. وتكمل: “فقدت كغيري الثقة بالنظام والدولة ولا حل لنا الا بما ستصنعه أيدينا، أغلب من في المجتمع اليوم إما عاطل عن العمل أو فقير، فلمَ لا نكون فاعلين في المجتمع ونقبض مالاً على يوم العمل؟”.
وتتابع: “لم ينتقل لبنان بعد إلى اعتماد نظام بيئي مختلف يقوم على أساس إعادة تدوير النفايات والإستفادة منها والحفاظ على البيئة، لذا أفكر في الأيام القادمة أن أصور عملنا بين “قبل وبعد” واطلاق حملات الكترونية تساعد عمال النظافة وتسهل مهامهم، كالطلب من المواطنين اشياء بديهية غير موجودة في ثقافتنا للأسف ونستهتر بها، كعدم رمي النفايات في الشارع، وتفريغ محتويات عبوات المشروبات قبل رميها، لأنها تزيد من الروائح الكريهة، علاوة على عدم رمي الزجاج المهشم مع النفايات الأخرى لأنها تؤذي العمال، واعتماد موعد اخراج نفايات ثابت يتماشى مع موعد مرور الآليات وعدم وضع النفايات مكدسة في أماكن مختلفة بعيداً من الحاويات المخصصة لها”. وأردفت: “غالباً ما يتم كنس الشوارع أو جمع النفايات في الليل أو في الصباح الباكر، والعمل في الظلام يجعل العمال عرضة لجرح ايديهم بالزجاج المتروك مثلاً، وعلينا العمل على توعية مجتمعنا بدءاً من الحارة الضيقة”. وشرحت أنها ستسعى، من خلال عملها ولباس النظافة الرسمي الذي سترتديه بفخر، إلى مواجهة النقاط السلبية التي تحيط بعمال النظافة وستنشر فكرة ومبدأ وثقافة “النظافة تبدأ من عندنا نحن”، وستعمل ليس فقط على جمع أكياس الزبالة بل على تغيير النظرة السائدة حول الفئات المهمشة التي تحتاج للعمل في قطاع النظافة، إذ برأيها أن “المجتمع الذي يحتاج عاملاً أجنبياً لمسح “الغبار عنه” لا يمكنه محاربة الفساد ولا الإطاحة بنظام يستغل نقاط ضعفه، في ظل غياب الحلول الجذرية وطويلة الأمد في هذا القطاع بالذات”.
أمس الأربعاء كان أول يوم عمل لنوربتليان، وكانت تتوقع ان تواجه مشاكل خاصة بها كإمرأة، كمشكلة وجود المرحاض أثناء العمل وقد يكون هذا أكثر صعوبة أثناء الحيض مثلاً، لكنها متفائلة جداً بتعاون ادارة الشركة معها. كما أنها اقترحت على المدراء فتح باب التوظيف “بدوام جزئي” إذ إن هناك مجموعة كبيرة من الأصدقاء والفتيات غيرها ممن تشجعن للإنضمام إلى هذا القطاع، على أن يعملن مثلاً نصف دوام. كما اقترحت ايضاً فتح باب “العمل اليومي” ما يفتح المجال أمام من يريد عملاً إضافياً فيعمل مثلاً نهار الأحد أو السبت ويقبض يوميته.