كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
لم يرفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون راية الإستسلام في شأن الملف اللبناني، لكنه بات على دراية أن هذه الأزمة من أصعب الازمات العالمية.
إحتك ماكرون مباشرة بالطبقة السياسية اللبنانية، فاكتشف “خيانتهم” ومكرهم، وقد يُسجّل إنجاز في سجل هذه الطبقة وهي أنها إستطاعت للمرة الأولى أن تُخرج رئيس جمهورية فرنسا عن طوره وتفقده أعصابه، حتى ذهب بعض العاملين على الملف اللبناني في الإليزيه إلى القول: “مع أي صنف من البشر نتعامل؟”.
وأمام كل هذه المعوقات التي باتت في درب المبادرة الفرنسية وآخرها التصعيد الشيعي وربط حل الأزمة بالإنتخابات الأميركية، ما زال قسم كبير من الشعب اللبناني ينظر إلى ماكرون كمخلّص من بطش هذه الطبقة وإستئثارها بالسلطة وأخذ البلاد والعباد إلى “جهنم”. عاد ماكرون ليقوّم أداءه في الملف اللبناني وسبل تحقيق الخروقات في مكان ما، مع علمه المسبق أن إيران عبر “حزب الله” هي المعرقل الأكبر وتريد أن تفاوض الأميركي وليس الفرنسي أو إنها تريد من الفرنسي إنتزاع ضمانات من واشنطن يحفظ رأسها ورأس “حزب الله” ويخفف نير العقوبات.
كل هذا التأزم في ملف تأليف الحكومة وإظهار الطبقة السياسية أنها غير قادرة على حكم البلد، من دون رعاية أو وصاية أو إحتلال خارجي لم يدفع ماكرون إلى اليأس، بل وفق المعلومات إن ماكرون تلقى جرعة دعم أوروبية تدعوه إلى الإنتظار قبل إعتبار المبادرة الفرنسية في حكم المنتهية.
وهذا الدعم الأوروبي يتمثّل في إصطفاف ألمانيا بقيادة المستشارة أنغيلا ميركل وإيطاليا وبريطانيا وكل دول الإتحاد الاوروبي خلف ما يقوم به ماكرون، لأن الأخير يعمل لمصالح أوروبا مجتمعةً وليس لمصالحه الفردية فقط، علماً أن الألمان يطمحون للعمل في الساحة اللبنانية وأبدوا أكثر من مرة رغبة في المساعدة لحل الازمات الداخلية وأبرزها أزمة الكهرباء والطاقة، لكنهم إكتشفوا أن الأرضية اللبنانية غير صالحة لعمل العقل الألماني مع إنتشار الفساد والسرقات والسمسرات وتقاسم الحصص والمغانم.
ومن الأفكار التي يتمّ تداولها في الأوساط الأوروبية هي إشهار سيف العقوبات بحق السياسيين الفاسدين والمعرقلين، وحتى لو أن ماكرون أعلن أن هذه الخطوة قد لا تأتي بنتائج إيجابية إلا أنه خيار حاضر دائماً، خصوصاً أن التحقيقات الداخلية الأوروبية تكشف وجود أموال كبيرة لسياسيين لبنانيين في المصارف الأوروبية وذهب بعضهم إلى تقديرها بما يزيد عن 10 مليارات دولار، وهذه الأموال قد تكون كفيلة بتعويم الإقتصاد اللبناني إذا ما إستردت للشعب ولخزينة الدولة، وبذلك يكون لبنان بغنى عن مؤتمر “سيدر” وأموال صندوق النقد الدولي.
يتريث الأوروبيون في القيام بمثل هكذا خطوة ويتركون الامر للإدارة الاميركية التي تتبع سياسة العقوبات المالية والإقتصادية، في حين أن الأوروبي يأخذ وقته في التحقيق بمصادر الأموال وإذا ما كان مصدرها عملاً شرعياً او مرتبطاً بالفساد وسرقة أموال الخزينة اللبنانية وأموال الشعب المودعة في المصارف. لذلك يبقى هذا الخيار قائماً وقد يطبق في أي لحظة، لكن الفرنسيين والأوروبيين كما الجميع ينتظرون نتائج الإنتخابات الأميركية ليبنوا على الشيء مقتضاه.