Site icon IMLebanon

كنعان: “كلّن يعني كلّن… بالقانون”

كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:

 

على الرغم من الحساسية الفائفة للأزمات والهموم التي تواجه اللبنانيين، الّا انّ ذلك يجب ألّا يحجب أهمية إقرار مجلس النواب قانون «الإثراء غير المشروع» الذي فكّك الحصانات الدستورية، وبالتالي صار ممكناً ان يُحال اي مسؤول رسمي كبير أو صغير على القضاء الجزائي العادي، في شبهة الإثراء غير المشروع، بدل التلطّي خلف ستارة المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

وحدها كتلة «المستقبل» غرّدت خارج سرب تفاهم الاغلبية النيابية على التفسير الذي يرفع الحصانة عن الرؤساء والوزراء والنواب والموظفين الرسميين، عندما تظهر على اي منهم عوارض الإثراء المشبوه.

وهناك من يعتبر انّه لولا التغيّرات التي عصفت بالوضع اللبناني منذ 17 تشرين الأول 2019 وصولاً الى اليوم، ما كانت الطبقة السياسية لتوافق على هذا القانون الذي نزع منها احد أبرز امتيازاتها ودروعها: الحصانة الدستورية (إزاء شبهة الإثراء غير المشروع).

ويقول أحد مهندسي القانون بصيغته الجديدة النائب ابراهيم كنعان لـ«الجمهورية» انّ إقرار هذا القانون يشكّل نقلة نوعية نحو تحقيق الإصلاح الجاد، بل لعلّها تكاد تكون غير مسبوقة منذ مطلع الخمسينات، لأنّها كسرت تابو الحصانات وحققت المساواة في المساءلة والمحاسبة على مستوى الإثراء غير المشروع، الذي تحول جرماً جزائياً عادياً، وبالتالي بات يخضع تلقائياً الى القضاء العدلي.

ويؤكّد كنعان انّ شمول الرؤساء والوزراء والنواب بمفاعيل القانون، هو أمر بديهي وتلقائي. «بل انا اعتبره خارج النقاش والبحث، لأنّ النص واضح جداً ولا يتحمّل اي اجتهاد او تفسير آخر، ما دام لم يتمّ الطعن به لدى المجلس الدستوري، ولم يتمّ ابطاله او منحه تفسيراً مغايراً، وبمجرد ان يُنشر القانون في الجريدة الرسمية، يغدو ساري المفعول، ويصبح بإمكان اي مواطن مزود بملف جدّي ووفق آلية منصوص عنها بالقانون منعاً لاستغلاله، ان يدّعي أمام القضاء على الشخص المشتبه فيه، أياً يكن موقعه في الدولة».

ويضيف: «فليكن محسوماً انّ القانون الصادر عن المجلس يسمح بملاحقة الجميع، اذا كانت هناك شبهة إثراء غير مشروع، من الرؤساء والوزراء والنواب وصولاً الى أصغر موظف في الفئة الرابعة.. نعم، هنا تصحّ معادلة «كلن يعني كلن، انما بالقانون وليس بالسياسة»، اي إلغاء الاستثناءات للمرتكب، أمام العدالة».

ومنعاً لأي التباس قد يواجه هذا القاضي او ذاك عند التنفيذ، يوضح كنعان، انّه تمنّى على الرئيس نبيه بري خلال الجلسة التشريعية الأخيرة ان يُدوّن في محضر الجلسة التفسير الذي يلحظ اعتبار جرم الاثراء غير المشروع جرماً عادياً وشمول الملاحقة كل المسؤولين، عند الارتكاب، وهكذا كان.

ومحاولاً استشراف الأهمية العملية للقانون، يلفت كنعان الى انّ المطلوب بعد صدور القانون في الجريدة الرسمية، ان نعاين نموذجاً تطبيقياً واحداً حتى يصدّق اللبنانيون والمسؤولون، انّ الحصانات الدستورية لا تشمل جرم الإثراء غير المشروع.

ويقول: «عندما يجري تطبيق القانون للمرة الاولى، انا متأكّد انّه بعد ذلك «زت الإبرة بتسمع رنتها».

لكن يد القانون لا تصفق وحدها، حيث يشدّد كنعان على انّ القضاء مدعو منذ الآن إلى استعادة المبادرة والهيبة، تأدية دوره ومسؤولياته من دون الوقوف عند أي حصانة دستورية او سياسية او طائفية او مذهبية، خصوصاً بعدما صار الإثراء غير المشروع في موضع الجرم الجزائي العادي.

وعندما يُسأل كنعان: ماذا لو بقي بعض القضاء خاضعاً لضغوط أصحاب النفوذ، الا يمكن عندها أن يفقد القانون جدواه؟ يجيب كنعان مستندا الى مثل شائع: «زيجة وزوجتك، حظ منين بدي جبلك؟».

وإلى جانب مسؤوليات القضاء، يدعو كنعان المواطن اللبناني، خصوصاً الثائر بصدق، إلى تلقف القانون وعدم الاكتفاء برفع الصوت والشعارات في الشارع، مؤكّداً انّ المواطن بات شريكاً في ملاحقة جرم الإثراء غير المشروع، وصار بإمكانه ان يتقدّم بالادّعاء الشخصي على اي مسؤول مهما علت رتبته، اذا كانت في حوزته وقائع تدين هذا المسؤول، لكن الأمر يجب أن يتمّ ضمن آلية يلحظها القانون وذلك حتى لا يتمّ استغلاله في غير محله.

ويلفت كنعان، الى انّ القانون يلبّي من جهة بعض طموحات الشعب اللبناني التواق الى مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح، وسط الانهيار المالي والاقتصادي، ويتناغم من جهة أخرى مع اصرار المجتمع الدولي على تطبيق الإصلاحات، ما يساهم في استعادة لبنان الثقة الدولية التي غدت مشروطة بتلك الاصلاحات.