كل مؤشرات البلد “تتدركب” نزولاً، إلا مؤشر كورونا يواصل مساره صعوداً كاسراً حاجز الألف إصابة يومية وحاصداً مئات الإصابات الجديدة كل 24 ساعة. من الواضح أن الأمور خرجت عن السيطرة وبات الوباء في مرحلة متقدمة من “التفشي مجهول المصدر” يتنقل بين الأحياء والمناطق والمحافظات بلا حسيب أو رقيب، بينما الأداء الرسمي يثبت يوماً بعد آخر عجزاً موصوفاً عن وقف تمدد الفيروس، لا سيما في ضوء التضارب الفاضح في الصلاحيات وتنازعها بين وزارتي الصحة والداخلية في حكومة تصريف الأعمال، حتى أضحى التخبط “يتفشى” بإيقاع متزايد لينعكس في اتخاذ قرارات عشوائية فاقمت الوضع تأزماً وإرباكاً في مقاربة الإجراءات والمعالجات المتوخاة.
من المجحف القول إنّ الجهات الرسمية لم تبذل مجهوداً كبيراً في مواجهة الوباء، لكن الثابت حتى الآن أنّ مجهودها ذهب هباءً منثوراً تحت وطأة حالة الضياع المستحكمة بقيادة دفة التدابير الواجب اتباعها، فعندما يصدر وزير الداخلية والبلديات قراراً بالإقفال التام يُصدر وزير الصحة العامة استثناءات تتيح إقامة الأعراس، وعندما يطلب الأخير إقفال البلد لأسبوعين يستنفر الأول لصلاحياته ويؤكد أنّ البلد “مش لعبة أسبوع منسكر وأسبوع منفتح”… وهكذا دواليك بين “هالك” الداخلية و”مالك” الصحة يواصل “قبّاض الأرواح” حصد المزيد من الوفيات والإصابات مسجلاً بالأمس حصيلة قياسية جديدة أسفرت عن وفاة 12 مصاباً بالفيروس وإصابة 1291 حالة جديدة.
وإثر اتخاذ وزارة الداخلية والبلديات قراراً بعزل 111 بلدة وإغلاقها بشكل كامل ابتداءً من صباح الأحد ولمدة أسبوع، أثار القرار بلبلة وامتعاضاً في البلدات المعنية لا سيما وأنّ المعنيين في عدد من البلديات الخاضعة لقرار العزل أكدوا أنهم لم يتبلغوا مسبقاً بالقرار ولم يتم التنسيق معهم في آليات تطبيقه، فضلاً عن إبداء البعض منهم استغرابهم لإدراج بلدات على قائمة الإقفال التام رغم أنّ الحالات المصابة فيها لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
وإذ سارع وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي إلى التنصل من مسؤولية التفرّد في اتخاذ قرار العزل وأحال المعترضين إلى التوصية الصادرة عن اللجنة الوزارية المكلفة متابعة ملف كورونا باعتبارها هي من زودته بلائحة القرى المصنفة بأنها ذات مستوى مرتفع من الخطر على مقياس التفشي الوبائي، أوضحت مصادر معنية بالملف لـ”نداء الوطن” أنّ اختيار البلدات ضمن إطار هذه اللائحة أتى بناءً على تصنيفها ضمن نطاق “المناطق الحمراء” وفق حصيلة ترصد انتشار الوباء في المناطق اللبنانية كافة، مشيرةً إلى كون القرار اتخذ بناءً على إحصاء الإصابات نسبةً إلى عدد السكان في كل بلدة.
وفي مقابل الانتقادات التي طالت هذا الإجراء، لفتت المصادر إلى أنه تم اعتماده تماشياً مع “الطريقة الأميركية” في عزل المناطق التي يتفشى فيها الوباء تفادياً لخيار الإقفال الشامل الذي يشل البلد والاقتصاد، وأكدت أنّ بعض الاعتراضات مفهومة ولا مانع من إعادة النظر في وضع بعض البلدات التي تشملها لائحة الإقفال، لكن في الوقت الراهن يبدو هذا الإجراء هو الأمثل لفصل المناطق المصنفة “حمراء” عن باقي المناطق ذات الانتشار الوبائي المحدود نسبةً لعدد سكانها، وإلا فإنّ عدم المبادرة لاتخاذ إجراءات جذرية سريعة سيؤدي إلى كارثة صحية لن يكون في المقدور التصدي لها، خصوصاً وأنّ هناك نقصاً حاداً في أجهزة التنفس بينما القدرة الاستشفائية بلغت مستوياتها الاستيعابية القصوى.