كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
لو كان الرئيس سعد الحريري في السراي وبشّر بسير التفاوض مع إسرائيل حول الحدود البرية والبحرية لكانت إنهالت التهم عليه، ولو كان الرئيس ميشال عون، الحليف المفترض لمحور “الممانعة” هو من يقود التفاوض لكان إتهم بأنه تنازل وتخاذل إرضاء لمصالح صهره النائب جبران باسيل ولكي يبعد شبح العقوبات عنه.
لكن أن يخرج “حزب الله” بلسان رئيس مجلس النواب نبيه برّي ويعلن الإتفاق على وضع إطار للتفاوض مع العدو الإسرائيلي فهذا أمر عادي بالنسبة إلى محور “الممانعة”، لا بل ذهب البعض إلى اعتباره إنتصاراً وفخراً بأن يفاوض “الاستاذ” أميركا. ما حجبه “الثنائي الشيعي” عن الفرنسي أعطاه دفعة واحدة للأميركي، فطبعاً الرئيس دونالد ترامب بحاجة إلى انتصارات في السياسة العالمية قبل الإنتخابات الرئاسية، من هنا أصرّ “حزب الله” على إبداء حسن النية أمام ما يجري في المنطقة من اتفاقيات سلام. أتى دور لبنان وإن كان “بدوز أخف”، إذ لا يمكن فصل ما حصل وعزله عن مبادرات السلام في المنطقة.
هذه المرة ليس “اليمين الإنعزالي الإمبريالي المتصهين” كما يصفونه من قام بهذه الخطوة بل محور الممانعة نفسه، وبالتالي دخل لبنان مرحلة شبيهة باتفاق “17 أيار”، وبرضى أميركي وإيراني ودولي، إذ إن نهج التطبيع يسير بشكل طبيعي بين دويلة “حزب الله” ودولة إسرائيل بعدما كانوا يستعملون في مصطلحاتهم فلسطين المحتلة.
وأمام كل ما يحصل، لا بدّ من الإضاءة على المراحل التي مرّ بها الصراع اللبناني – الإسرائيلي، إذ إنه سُمح للشرعية أن تواجه مرّة واحدة خلال النكبة عام 1948 حين قاد وزير الدفاع المير مجيد إرسلان الجيش اللبناني في معركة المالكية الشهيرة ودخل إلى الجليل، يومها فعلت السياسة الدولية فعلها، وساهمت خسارة العرب بتراجع جيشنا، من ثمّ تمّ توقيع إتفاقية الهدنة التي حكمت الوضع اللبناني – الإسرائيلي حتى عام 1967، ويُحكى يومها أن البريطانيين ضغطوا على الرئيس بشارة الخوري لكي يستقبل اللاجئين الفلسطينيين في مقابل دعمه للتجديد لولاية رئاسية ثانية. عام 1967 كانت النكبة، يومها لم يشارك لبنان مباشرةً في الحرب، وكان سقوط العرب بقيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر مدوياً، فما كان من الفدائيين الفلسطينيين إلّا أن استغلوا الفراغ وبدأوا العمل الفدائي من الأردن ولبنان، عندها تنازلت الدولة عن سيادتها ووقعت “إتفاق القاهرة” عام 1969، ليتطور العمل الفدائي خصوصاً بعد هزيمة 1973 وتصبح الحدود الجنوبية مباحة للعمل العسكري الفلسطيني. كان اجتياح عام 1978 الإسرائيلي بداية الدخول المباشر في الحرب، يومها كانت الشرعية في غيبوبة والجيش مقسوماً، إلى أن حصل إجتياح 1982 الذي أخرج الفلسطينيين من بيروت ولبنان، وبدأ نجم “حزب الله” بالظهور فتولى العمل العسكري، ولم يقم أي إعتبار للدولة ولم يسلّم سلاحه بعد توقيع “إتفاق الطائف”.
في 25 أيار 2000 إنسحبت إسرائيل من الجنوب، ولم يسلّم “حزب الله” سلاحه، بل أطلق شرارة حرب “تموز” وأيضاً لم يقم أي وزن للدولة، وبعد إقرار القرار 1701 شهدت الحدود الجنوبية إستقراراً تخرقه بعض الأعمال العسكرية لكنها تبقى ضمن إطار مضبوط.
مثلما كانت الدولة مغيبة عن الأحداث العسكرية، ها هي تغيب عن مسار المفاوضات مع إسرائيل، وإن كان بري المكلّف من قبل “حزب الله” أراد ردّ بعض الإعتبار للرئيس عون، إلاّ أن حق “الفيتو” لا يزال في يد الدويلة التي تستطيع التخريب ساعة تشاء من دون إقامة أي إعتبار لمصالح الدولة والشعب.