كتب خضر حسان في “المدن”:
ظَهَرت باخرة الجاغوار أس “jaguar S” فجأة في المياه الاقليمية اللبنانية، قبالة منطقة الزهراني. لا أحد تبّناها، وتنصّلت المديرية العامة للنفط من دعوة السفينة إلى لبنان. بقيت الباخرة يتيمة، فاحتجزها القضاء اللبناني، رافضاً السماح لها بالتوجّه نحو تركيا، بناءً على طلب وكيلها، بحجة منع تعريض لبنان للعقوبات الأميركية، ذلك أن وجهة الباخرة الأساسية، كانت سوريا. هذه هي الرواية الرسمية لوجود الباخرة.
ليست قضية منفصلة
سذاجة لا مثيل لها يُحاك بواسطتها هذا الملف. فتلك الباخرة بالتأكيد لم تظهر من العدم، إذ لها مسارٌ يُفتَرَض تتبّعه. ولحين معرفة التفاصيل، يبقى أن وجودها في المياه الاقليمية اللبنانية ليس نتيجة ضلال الطريق.
قد يُغَضُّ الطرف عن وجودها المفاجىء، فيما لو كانت أوضاع البلاد مغايرة لما هي عليه اليوم، وبالتحديد، أوضاع قطاع المحروقات. فالشحّ سيّد الموقف، ليس لندرة المعروض وانما لاحتكاره مِن قِبَل جهات باتت معروفة. وغاية الاحتكار زيادة الأرباح عن طريق رفع الأسعار في السوق المحلية، أو الاستفادة من عائدات التهريب نحو سوريا.
انطلاقاً من الواقع، “يصبح فهم سبب وجود الباخرة في لبنان أسهل”، وفق ما تقوله لـ”المدن”، مصادر متابعة للملف النفطي في لبنان. فحسب المصادر، “لا تترك اللعبة السياسية اللبنانية مجالاً للمصادفة أبداً، فكل ما يحصل في لبنان برّاً وبحراً وجوّاً، له تفسيرات منطقية، قد يطول أمد الكشف عنها”. وبرأي المصادر، “هذه الباخرة هي حلقة من سلسلة احتكار وتهريب المحروقات”.
لماذا الزهراني؟
الرواية الرسمية تقول بإن وجهة الباخرة الأساسية هي سوريا، وبالتالي “لبنان هو ممر لحمولة الباخرة نحو سوريا. والممر الوحيد الممكن هو التهريب”. هنا، تطرح المصادر تساؤلاً حول “مَن يملك القدرة على تهريب المحروقات إلى سوريا، ومَن يملك امكانية التحكّم بالمعابر، الشرعية وغير الشرعية؟”.
لا حاجة للكثير من التفكير للوصول إلى خلاصة “تربط بين نفوذ الثنائي الشيعي على الخط الرابط بين منشآت الزهراني والمعابر الحدودية مع سوريا. فحركة أمل تسيطر على المنشآت وحزب الله على الحدود”.
ليس هناك أدلة ملموسة على ضلوع الثنائي في المسألة بشكل مباشر. إذ لا قرار من قيادتي “أمل” و”حزب الله” تجيز إحضار الباخرة وتفريغها وتهريبها أو تخزينها في لبنان، “لكن كذلك لا قرار من القيادتين بالتلاعب في فواتير المحروقات في الزهراني واختلاق أزمة حُصِرَت في الجنوب، في نهاية تموز الماضي، وإنما مشكلة القيادتين أنّهما تحميان بعض النافذين المعروفين في الجنوب”. وتشير المصادر في كلامها إلى ما نشرته “المدن” سابقاً حول ضلوع أشخاص مدعومين من الثنائي باحتكار المحروقات وتخزينها، وبابتداع لعبة تبدأ فصولها داخل منشآت الزهراني، حيث يُصار إلى تعبئة كميات من المحروقات في الصهاريج، أقلّ مما يصرّح عنه في الفواتير المرافقة لكل شحنة، على أن يعمد المحظيون إلى بيع الكميات الفائضة إلى أشخاص نافذين يخزّنونها في الجنوب أو يهرّبونها إلى سوريا. ولم يكن لأصحاب الصهاريج أو سائقيها امكانية الاعتراض على ما يحصل، مخافة منعهم من التعبئة.
هل لإيران علاقة؟
ليس مصادفة مرة أخرى أن تكون الجهات الحزبية المسيطرة على مصفاة الزهراني، مؤيّدة للنظام السوري ومعارِضة للعقوبات الاقتصادية عليه، وفي الوقت عينه تصل باخرة إلى قبالة المصفاة، محمّلة بالبنزين، ومن المفترض أن تكون وجهتها سوريا.
انطلاقاً من ذلك، لا تستبعد المصادر أن يكون لإيران علاقة بتلك الباخرة، “فيكون المقصود هو إرسال شحنة من المحروقات إلى سوريا كسراً للعقوبات الأميركية، وذلك عبر تغيير السفينة في اليونان، أو ربما أي دولة أخرى يسهل فيها إجراء تبديلات مماثلة، فتبدو الشحنة في هذه الحالة وكأنها يونانية وليست إيرانية. وهذا ما يفسّر أيضاً وجودها قبالة الزهراني، حيث سيطرة الثنائي”.
لكن لا تنفي المصادر “صعوبة الإجراءات في ظل السيناريو الإيراني، وإن كان التفريغ مرسوماً له أن يتم في الزهراني”.
تبقى الاحتمالات مفتوحة حيال مصدر الشحنة وسبب وجودها قبالة الزهراني تحديداً، لكن التهريب أو الاحتكار هو النتيجة الحقيقية، وليس على القضاء سوى امتلاك الجرأة للذهاب بعيداً في تحقيقاته.