أكّد عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب بيار بوعاصي أن “ثمة إجماعًا في الاجتهادات الدولية انه في غياب الحكومة لا يجوز التشريع إلا في حالة الضرورة حيث يكون لغياب التشريع في مهلة زمنية محددة انعكاسات سلبية ومستدامة على المصلحة الوطنية العليا ومالية الدولة ومصالح الناس”، مشيرًا الى أن “جدول أعمال الجلسة التشريعية الأخيرة تضمن 40 بندًا بعضها يتعلّق بتغيير أسماء قرى، والخطر في الامر أنه يعني أن الحياة التشريعية مستمرة ولو في ظل غياب مؤسسة دستورية اساسية هي الحكومة”، مضيفًا: “الأمر غير سليم على مستوى وجوب فصل السلطات والتعاون في ما بينها ولذا قاطعنا كتكتل “الجمهورية القوية” الجلسة التشريعية الاخيرة”.
وأعرب، في مقابلة عبر “الجديد”، عن “عدم شعوره بجدية في السعي لتشكيل الحكومة حين يقول أحدهم لا تشكل حكومة من دوني ويعمد إلى فرض شروطه، مذكّراً بأن هذه الممارسة ادت الى تعطيل البلاد مرات عدة لأكثر من 7 سنوات منذ عام 2005 حتى عام 2020 وإلى الفشل في الانجاز خلال سنوات عمل المؤسسات”، مشددًا على أن “وجود دولة تعمل بشكل صحيح ليس ترفًا بل حاجة ماسة لتحقيق استقرار المجتمعات وتطورها وازدهارها”.
وردًّا على سؤال عن سبب تحميل رأس الدولة مسؤولية تردّي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، أكد بو عاصي أن “المكافأة تبدأ من قاعدة الهرم أمّا المحاسبة فتبدأ من رأس الهرم الى أسفل”، مضيفًا: “هذه المنظومة السياسية فشلت والمبادرة الفرنسية أرادت وقف النزف والمساعدة في ضخ الدم في الجسم الاقتصادي اللبناني عبر أموال “سيدر” وكان على الطبقة الحاكمة المساهمة الفعالة في هذه المهمة الوطنية لا العرقلة، كما فعلت”.
وعن تمسك “الثنائي الشيعي” بوازرة المال، قال: “لا يجوز حصر اي حقيبة بأي طائفة والامر مرفوض من حيث المبدأ، أما تمسك الثنائي الشيعي بحقيبة المال تحت حجة التوقيع الرابع فيعني المطالبة بتوقيع سياسي وطائفي واستنسابي. هذا الطرح لا علاقة له بالدستور والمنطق والميثاق الوطني. فكل الاجتهادات في العالم تقول إن الوزير المعني يوقع ليثبت انه قد تبلغ للتنفيذ وكي يتحمل المسؤولية بالتكافل مع رئيس الحكومة امام مجلس النواب. أما اذا قرر الوزير عدم التوقيع، فإمّا يستقيل أو يُقال”.
وفي موضوع ترسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل، أوضح بو عاصي الأمر بالاستناد إلى 3 أطر: السردي والقانوني والسياسي.
ففي السردي، قال: “بدأت المحاولات الأولى في العام 2012 مع الموفد الاميركي الخاص السفير فريدريك هوف وإستمرت بعدها مع السفير دايفد سترفيلد عام 2017، ولم تصل الى نتيجة. لبنان كان وافق على النقطة 1 في قبرص للترسيم ثم طالب بالبدء بالنقطة 23. في المقابل، إتفقت إسرائيل مع قبرص على النقطة 1 مما تسبب بخسارة لبنان 860 كلم مربع لأن اسرائيل وقبرص اعتمدتا النقطة 1. جرى تفاوض منذ ذلك الحين ولكنه لم يكن يوماً علنياً وعلى أسس واضحة”.
وتابع: “كان بري يقول لن اتخلى عن نقطة مياه من حقوق لبنان. فما هي هذه الحقوق؟ ما هي المنطقة التي يحق للبنان بها؟ هوف منذ العام 2012 قال ان هناك 860 كلم مربع وعرض على لبنان السيادة على 500 كلم مربع حيث يستثمر فيها كمنطقة اقتصادية خالصة و360 كلم مربع تبقى متنازع عليها مع اسرائيل ويتم التفاوض عليها. رفض الجانب اللبناني هذا الاقتراح في حينه والتفاوض كان يتم من قبل الرئيس بري بشكل أساسي. لذا نسأل: إن وافقنا اليوم على 500 كلم مربع، ألم يكن بإمكاننا القبول بها عام 2012؟ ما قبلنا به اليوم في العام 2020 كان مطروحًا علينا عام ٢٠١٢، فإذا كان التفاوض مقبولاً يومها لماذا انتظرنا إلى اليوم وإذا كان التفاوض غير مقبول في حينه فلماذا وافقنا اليوم؟
وأشار بو عاصي الى أن “التوصّل الى إتفاق اطار يعني اننا انجزنا نصف المسافة”، وأردف: “أنا كنائب اسأل بأي صفة يرسم دولة الرئيس بري اتفاق الاطار وما هو مضمونه ليقول اليوم إنتهى دوري وليكمل من الآن الجيش برعاية رئيس الجمهورية. المادة 52 من الدستور واضحة وهي تحدّد ان رئيس الجمهورية هو من يفاوض على الاتفاقيات الدولية ثم يعطى اذن الابرام من قبل مجلس النواب”.
وسأل: “ما هي المتغيرات التي دفعتنا الى السير قدمًا اليوم؟ محليًا ليس لدينا حكومة ما يعني أننا لسنا في موقع قوة في التفاوض. أُسقطت المبادرة الفرنسية مما يضعفنا سياسيًا واقتصاديًا ودوليًا. اقليميًا يوقع قسم من الدول العربية اتفاقيات سلام مع اسرائيل. دوليًا ينتظر العالم نتائج الانتخابات الاميركية بعد شهرين. هناك نقاط عدة غامضة في هذا المسار ولا اعتقد ان الانتظار 10 سنوات مرده تحسين شروط لبنان بالتفاوض، لأن المعطيات ليست في صالح لبنان اليوم”، داعيًا إلى “ألا يتم القيام بأي عمل في هذا المسار إلا من خلال الاطر القانونية والدستورية والمؤسساتية، كما الى اطلاع جميع الافرقاء السياسيين على اجواء التفاوض لأن وضع الإطار للتفاوض حول الحدود البحرية والبرية هو أمر سيادي، ويجب ألا يتولى القيام بذلك طرف واحد او حزب او شخص”.
وردًا على سؤال أن لهذا الملف خصوصية عند بيئة الثنائي الشيعي، أجاب: “ما علاقة الخصوصية بالنفط والغاز والحدود؟ ومن قال إن لهذه البيئة عدائية تجاه إسرائل اكثر من باقي الاطياف؟ الاطار المؤسساتي وحده يحكم إداء الأوطان. القول إن لهذا الملف خصوصية والبيئة الشعبية المعنية تثق ببري أمر غير مقبول. فالثروة النفطية والغاز والحدود معني بها كل الشعب اللبناني لا فريقًا واحدًا وهذا ملف وطني بامتياز. لدي تحفظا كنائب ينتمي الى كتلة من 15 عضوًا وحزب له حجمه وتمثيله على الطريقة التي تم فيها اعلان “رسم الإطار”، لأنها تمت خارج الإطار المؤسساتي. لا مجال للاعتماد على هواة فالاطار السياسي والمؤسساتي يرسم المصلحة الوطنية العليا والتفاوض يتم من قبل خبراء محترفين”.
وشدد بو عاصي على أن “ترسيم الحدود بديهي من قبل أي دولة وهو واجب للبنان أكان مع سوريا أو مع إسرائيل”، وأردف: “بالطبع هناك اختلاف بين علاقتنا بسوريا كبلد وكشعب شقيق وبإسرائيل التي لدينا معها مشاكل أخلاقية وسياسية وهناك اجماع وطني على ذلك. نجحت إسرائيل اقتصاديا، فإجمالي ناتجها المحلي على عدد السكان GDP per Capita ٤٠ الف دولار في حين أنه في لبنان لا يتجاوز 15 ألفًا. لذا عوض ان نحاربها اقتصاديًا دخلنا بتنافس مع غزة على الفقر والعزلة. وعلى صعيد آخر، ضبط الحدود بحاجة الى قرار سياسي، والجيش لديه 4 افواج حدود وقادر على ذلك”.
كما أكّد أن “علّة وجود لبنان الانفتاح والتواصل مع جميع الدول واذا كانت هناك قاعدة بعدم التواصل مع اسرائيل لا يعني أن نتكلم فقط مع سوريا و ايران”، مضيفًا: “مشكلتنا مع النظام السوري وليس مع سوريا. لا اعتراف من قبل النظام بسيادة لبنان، وفتح سفارتها في بيروت أتى في ظروف محددة من اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى عزلة النظام ثم زيارة الاسد إلى باريس. النظام السوري يعتبر ان لبنان منطقة تابعة لها وممنوع التدخل بها، لذا لا يرضى ان نستعين بالامم المتحدة لترسيم الحدود. اذكّر ان السوري في نهاية ثمانينات القرن الماضي رفض من هذا المنطلق الدخول الايراني الى لبنان وترجم ذلك بالصراع الدموي بين “حزب الله” و”أمل” أكان في إقليم التفاح او الليلكي أو غيرها من المناطق”.
كذلك اعتبر بو عاصي أن “اي متواطئ مع نظام خارجي يعمد الى تسليمه مقاليد الحكم في بلده كي يستقوي داخليا، يدفع ثمن فعلته حكماً وهذه ثابتة في التاريخ”.
وفي ذكرى مرور شهرين على تفجير المرفأ، قال بو عاصي: “يجب أن لا ننسى في أي يوم أن بيروت تدمرت في 4 آب وهناك غياب تام للسلطة عما حصل، هناك تغييب للمسؤولية وثمة محاولة لجعل هذا الامر كحدث عابر ولن نرضى بهذا الامر في اي حال، لأن بيروت عاصمتنا والناس ناسنا والمرفأ شرياننا الحيوي”.