كتبت إيناس شري في صحيفة “الشرق الأوسط”:
بعدما أعلن المصرف المركزي في لبنان أنّ احتياطه من العملات الأجنبية يتناقص، وأنّه سيكون غير قادر بعد نهاية العام الحالي على الاستمرار في دعم المواد الأساسية، بدأ البحث عن آلية بديلة قد تكون على شكل بطاقة تموينية مدعومة تُوزَّع على المواطنين أو على الفئات الأكثر فقراً فقط، ولكنّ هذه البطاقة «ستؤجّل المشكلة ولن تحلّها»، حسبما يرى الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان.
والمقصود بالبطاقة التموينية، هي بطاقة ذكية، يحصل على أساسها المواطنون على السلع الأساسية مثل الخبز والمحروقات والدواء بسعر مدعوم، بعد قرار مصرف لبنان إيقاف الدعم لتلك السلع. وتتفاوت التقديرات حول أن تكون مخصصة للفئات الفقيرة أو لجميع اللبنانيين.
ولفت أبو سليمان في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّه حتى اللحظة «ليس واضحاً لا طبيعة البطاقة التموينية ولا من ستشمل» فهناك «تلويح من المصرف المركزي بأن تشمل هذه البطاقة المواطنين كافة حسب احتياجاتهم من المواد الأساسية التي سيتوقف عنها الدعم»، موضحاً أنّه في حال اعتماد هذا الأمر «يكون المصرف قد حصر الدعم في اللبنانيين فقط وأسهم في وقف تهريب المازوت المدعوم وبالتالي خفّض فاتورة الدعم من احتياطيه».
في السياق نفسه، أوضح أبو سليمان أنّه يمكن أيضاً لـ«المركزي» أن يقرر دعم الفقراء فقط ويعتمد على سبيل المثال على آخر دراسة للبنك الدولي التي أفادت بأن نسبة الفقر في لبنان هي 50%، مضيفاً أنّه «إذا قرّر المصرف المركزي الانطلاق من هذه الدراسة كونها مصدراً متخصصاً ومحايداً ستكون البطاقات لـ50% من المواطنين يحدَّدون على أسس ومعايير واضحة، ويستفيدون منها للحصول على السلع الأساسية».
وشرح أبو سليمان أنّه سواء اعتمد المصرف أي آلية «ليست البطاقة التموينية حلاً جذرياً بل تأجيل للمشكلة وشراء للوقت». فالاحتياطي الذي يكفي المصرف حالياً لثلاثة أشهر «سيكفيه لثلاثة أشهر إضافية أو أكثر في حال قرر المصرف دعم نصف اللبنانيين مثلاً لنعود ونقع بالمشكلة نفسها لاحقاً في حال لم تشكَّل حكومة ولم نتمكّن من القيام بالإصلاحات اللازمة وإدخال عملة أجنبية إلى لبنان والبدء بالمفاوضات مع المجتمع الدولي».
وشدّد أبو سليمان على ضرورة أنّ يكون اعتماد أي آلية لاستبدال الدعم منطلقاً من خطة متكاملة، لأنّ رفع الدعم سيزيد الطلب على الدولار في السوق السوداء بحدود 300 مليون دولار شهرياً (فاتورة المواد المدعومة مع السلة الغذائية تبلغ 700 مليون دولار) مما يعني ارتفاع سعر الدولار، فضلاً عن تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين وارتفاع نسبة الفقر.
وبعيداً من الأثر الاقتصادي، يتخوّف اللبنانيون من دخول الزبائنية والمحسوبيات في توزيع البطاقات التموينية ولا سيّما أنّ التجربة مع الحكومة السابقة في توزيع المساعدات «كانت فاشلة»، حسبما رأى وزير الشؤون الاجتماعية السابق ريشار قيومجيان، مؤكداً في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنّه يجب «تحديد الفئات التي ستحصل على البطاقة التموينية وفق معايير واضحة، فلا تدخل الاستنسابية والزبائنية كما حصل سابقاً عندما عمدت الحكومة المستقيلة إلى تحديد فئات انطلاقاً من محسوبيات حزبية وسياسية».
كانت الحكومة اللبنانية قد وزعّت في نيسان وأيار الماضيين مساعدات بقيمة 400 ألف ليرة شهرياً (266 دولاراً وفق سعر الصرف الرسمي) على الأسر والأشخاص الأكثر احتياجاً والذين تعطلت أعمالهم وأشغالهم جراء الإجراءات والتدابير الخاصة بحالة التعبئة العامة التي فرضها «كورونا». وأثار موضوع تحديد الفئات المستفيدة من هذه المساعدات والتي تولى الجيش مهمة توزيعها، جدلاً لجهة دخول المحسوبيات السياسية إليها.
ويرى قيومجيان أنّ «المشروع العلمي الوحيد هو مشروع (دعم الأسر الأكثر فقراً) والموجود في وزارة الشؤون الاجتماعية والذي يحدد الأشخاص الأكثر حاجة وفق معايير لا تسمح بالتلاعب».
وأشار قيومجيان إلى أنه «يمكن ويجب العمل على توسعة هذا المشروع ليشمل عدداً أكبر من العائلات ولا سيّما في ظلّ ازدياد نسبة الفقر في لبنان»، موضحا أنّ البنك الدولي «كان مستعداً لدعم توسعة هذا المشروع من خلال قرض يتراوح بين 400 و600 مليون دولار بفائدة رمزية، وأنّه على الجهات المعنية متابعة هذا الأمر».